كنت أنظر إليها وهي ترفع بأرستقراطية تلقائية فنجان الشاي إلي ثغرها, الذي لا تغيب عنه ابتسامة الرضا أبدا, لترتشف معه نسيم صباح نادي الجزيرة. كنت أسعد بصحبتها الهادئة ووداعتها الراقية وتواضعها الجم أينما التقينا. كنا نتجاذب أطراف الحديث الذي يتطرق إلي كل شيء إلا إلي أسرتها العريقة. فوالدها, الدكتور أحمد باشا حندوسة, وزوجها الدكتورهاشم فؤاد, عميد طب قصر العيني ورئيس نادي الجزيرة الأسبق, كانا, رحمهما الله, في القلب أينما ذهبت ولكن نادرا علي لسانها العذب أينما حلت. كانت أما حنونا لجميع الأثريين, أستاذا ورئيسا لقسم الآثار المصرية ووكيلا للكلية وفوق ذلك جيوكاندا الآثار المصرية كما أطلق عليها صديقها الوفي وتلميذها البار الدكتور زاهي حواس. تناولت الصحف والمواقع الإلكترونية خبر حفل التأبين تحت عدة عناوين أذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر العناني وحواس يشهدان حفل تأبين أم الأثريين.. وزير الآثار ود. حواس والدماطي يشهدون حفل تأبين د. حندوسة.. ولولا التزاماتي بالخارج لقطعت جولتي في أوروبا وعدت إلي مصر لأحضر هذا التأبين الذي تناولته الصحف من خلال عناوين براقة لا ترقي إلي قامة عالمة مصرية جليلة. كم كنت أود أن تقرأ كلماتي التي تعبر عن إعجابي بشخصها وأنا أكتب عن أنها عالمة في تخصصها الدقيق, تتحدث أكثر من لغة أجنبية بطلاقة, متفانية في عملها البارع, مصرية صميمة حتي النخاع. كانت د.تحفة حندوسة تتفادي الإعلام بتواضع العلماء, وتهرب من الشهرة والأضواء ببساطة جعلتها تتربع علي قلوب الأحباء بل والمنافسين من غير الشرفاء. زهد النساك عن المناصب والسفريات كان رفيق دربها المبهر.. بص يادكتور ناصر... أنا عايزاك تعتذر للدكتورة حنان... أصل أنا اتكسفت أقولها إني مش قادرة أسافر ندوة باريس.. أنا عارفة إنها مش حتزعل مني لو إنت اللي قلتلها.. أصل الندوة بكرةب! وكعادته, بأسلوب راق ينم عن أسرة عريقة وتربية رفيعة يعجز المرء أمامهما عن رفض أي طلب, قال لي د.ناصر الأنصاري رئيس الهيئة ورفيق الطريق أنا بأبلغ إعتذار د. تحفة عن ندوة باريس.. وهي أمامي الآن بمكتبي وبتسلم عليكي ومش عايزاكي تزعلي منها واستطرد بصوته الرخيم وكانياري ابتسامته الودودة من خلال الهاتف ولا مني أنا كمان! مالم تعلمه د. تحفة, أنني كنت أريد أن أتوج تلك الندوة بحضورها المتميز لتتحدث عن كتابها الذي صدر لدي دار نشر فرنسية في إطار مشروع تصدير الفكر العربي مترجما إلي اللغات الأجنبية. حقق كتاب الزواج والطلاق في مصر القديمة نجاحا ورواجا تحسد عليه الكاتبة في معرض باريس الدولي للكتاب. وكانت الندوة التي قمت بتنظيمها آنذاك تضم5 كاتبات مصريات يتحدثن باللغة الفرنسية عن مؤلفاتهن المختلفة. ووقع اختياري علي صديقي, نصير المرأة المصرية أينما كانت, الدكتور علي السمان رحمه الله, لإدارة الندوة النسائية. يعني الناس سابت كل الكاتبات الكبار دول وفضلت تسألك إنتي والناشرة الفرنسية عن كتابي أنا بس, معقولة ؟!!!.. كان نفسي تكوني موجودة علشان تشوفي نجاحاتك بعينيكي.. ويأبي التواضع أن يفارق العالمة المصرية رقيقة المشاعر.. لا ياحنان, أصلهم تلاقيهم اندهشوا علشان فيه حاجات كتير في الجواز والطلاق في القوانين الحالية متاخدة من العصر الفرعوني!!. من قالت لي ذلك هي واحدة من أهم علماء جيل الوسط في مدرسة علم المصريات داخل وخارج مصر. رحم الله أميرة مملكة عالم الفراعنة التي أكاد أسمع صوتها الناعم وهي تقول للذين احتفوا بها في مماتها أكثر بكثير مما كان عليه الحال في حياتها.. أشكركم.. من أعماق قبري.