جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للقارة الأفريقية تأكيدا وترسيخا لأهمية أفريقيا كأحد وأهم دوائر تفاعل الأمن القومي المصري, وهي الدائرة التي تنتمي لها مصر وتعد بمثابة عضو في جسد هذه القارة المترامية الأطراف.. وقد كانت قضية تحقيق التكامل الاقتصادي والتنموي علي رأس أولويات مباحثات الرئيس السيسي استشرافا لتلك الأخطار والتهديدات التي تثور هذه الأيام وتواجه دول القارة في ظل تلك البيئة الدولية التربصية..لقد أهملت القارة الأفريقية كأولي دوائر التفاعل والتحرك للأمن القومي المصري لفترة ليست بالقصيرة وذلك في ظل تلك التحديات التي واجهت مصر من ناحية البوابة الشرقية بداية من هزيمة يونيو(1967) وحرب أكتور(1973) وما تلاها من مباحثات في كامب ديفيد.. لذلك كان لابد من الالتفات للقارة الأفريقية لما تشكلة من أهمية كبيرة بالنسبة لمصر التي تعد بحكم موقعها الجغرافي دولة أفروآسيوية, إذ أن الجزء الأكبر منها مساحة وسكانا يقع في أفريقيا فأرض مصر تربة وماء تعد جزءا من جسم أفريقيا... ومنذ فجر التاريخ في السنة التاسعة من حكم الملكة حتشبسوت استعادت مصر التجارة مع شعب بلاد العجائب( بنت) علي الساحل الصومالي ومن ذلك الوقت بدأ الاهتمام بالقارة الأفريقية وتأمين الحدود الجنوبية لمصر مع كل من السودان والصومال بمالهما من عمق إستراتيجي بالنسبة لها... لذلك قد رسخ في الإستراتيجية المصرية أهمية تأمين العمق الإستراتيجي الجنوبي لمصر وعدم إغفال أي تحرك أو تدخل خارجي فيها يمكن أن يشكل مصدر تهديد للأمن القومي المصري, فالصومال تشكل عمقا إستراتيجيا لمصر في قلب أفريقيا كما أن موقعها الإستراتيجي يمثل حلقة وصل لمصر مع السودان وهي تعد قوة موازنة للقوي الإقلمية في القارة ممثلة في إثيوبيا... وتعد مسألة تأمين حصة مصر من مياه النيل وضمان تدفقها أحد وأهم محددات الأمن القومي المصري في أفريقيا والتي تتخطي مجرد المصالح الحدودية و الأمنية, إذ تعد مسألة حياة أو موت تتعلق ببقاء شعب أو فئائه.... تلك الحقيقة تؤكدها الدراسات والمخطوطات القديمة, حيث قام محمد علي باشا بتجريد حملة عسكرية لتأمين منابع نهرالنيل والحفاظ علي مصالح مصرفي مياهه بموجب اتفاقيات دولية خاصة بالحوض... وعلي الرغم من أن الحكومات المصرية المتعاقبة قد حرصت علي تبني العديد من السياسات والمشروعات التي تشجع التعاون الإقليمي لاستغلال مياه النهر إلا أنها لم تكن بالقدر الكافي الذي يتفق مع ماللقارة الأفريقية من أهمية بالنسبة للمصالح الأمنية والحياتية لمصر... لقد حرص الرئيس السيسي علي طرح رؤية مصر في شأن تحقيق التكامل الاقتصادي في القارة الأفريقية مؤكدا أهميةالحوار كآلية ضرورية وفعالة بين دول حوض النيل من أجل تحقيق المصالح المشتركة مع تأكيد حرص مصر علي دعم جهود دول الحوض التنموية مع الحفاظ علي مصالح الشعب المصري الذي يعتمد بشكل أساسي علي نهر النيل كمصدر للمياه... هذه الأهمية الإستراتيجية للقارة الأفريقية قد صارت أحد المحددات الأساسية في تشكيل إدراكات القيادات السياسية المتعاقبة علي مصر, فقد قال عبد الناصر في كلمة بمطار القاهرة عند استقباله رئيس دولة الكاميرون أحميدو أهيدوجو في اكتوبر1962 إن أرض الشعب العربي تقع في افريقيا كذلك, فعلي الشمال الواسع من هذه القارة شعوب عربية أخري تساير امتداد مساحتها إلي المحيط الأطلنطي, و كذلك فإن هذه الشعوب تعيش علي أرض يمتد عمقها في القارة الأفريقية حتي تصل إلي قلبها... هذه الحقيقة أكدها الرئيس السادات في مؤتمر القمة الأفريقية بالخرطوم في1976/7/14 عندما قال إننا نؤمن إيمانا جازما بأن كل مايحقق مصلحة حقيقية للشعب الأفريقي هو بالضرورة تأكيد وتثبيت لمصلحة الشعب المصري.. أمننا واحد ورخاؤنا واحد ونضالنا جزء لايتجزأ... في هذا الإطار تثمن جولة الرئيس السيسي الأفريقية من حيث أهميتها ومغزاها الإستراتيجي والاقتصادي.