السعي لتحقيق هدف العدالة الاجتماعية مثل أحد الأسس الرئيسية لثورة يوليو1952, ومنحها في الوقت نفسه أحد أهم مصادر شرعيتها, عبر ما تم اتخاذه من سياسات وإجراءات معروفة لإعادة توزيع الدخل والثروة وموارد المجتمع المادية والرمزية ككل.. وحينما جري التخلي عن هذه السياسات والتحول إلي نقيضها في مزيج مرتبك من النيو الليبرالية والفساد ورأسمالية المحاسيب, تراكمت الآثار السلبية وظهرت شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية في ثورة يناير. وعقب ثورة30 يونيو التي أزاحت المخاطر الجسيمة التي وضعت مصر علي حافة الانقسام الكامل والتحول إلي الحرب الأهلية وهددت بقاء الدولة والمجتمع, كان من المأمول إعادة النظر في مجمل القضايا والتحديات التي قادت إلي هذا الخلل الذي افقد مصر توازناتها واستقرارها, وما ترتب علي ذلك من دفعنا لاثمان باهظة داخليا وخارجيا في استنزاف طويل الأمد, ما زال جاريا وسوف يستمر لامد غير قصير.. إلا أن ما ظهر من توجهات وما تم تطبيقه من سياسات حتي الآن فيما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي, جاء علي حساب تعميق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع وتوسيع الفجوة بين فئة أو شريحة محدودة تحظي بالدخل والموارد وبين الكتلة الأكبر في المجتمع التي تعاني بشدة وتتم ازاحتها إلي الأسفل بطريقة متسارعة للغاية وتحميلها كل فواتير الاصلاح مع تركها في العراء وعدم توفير الحد الأدني من الرعاية والحماية الاجتماعية والاقتصادية الذي يمكنها من الاستمرار في القيام بأدوارها في تماسك المجتمع واستقرار الدولة ومنعهما من الانزلاق إلي خانة عدم الاستقرار الاجتماعي وما يترتب علي ذلك من أثر سلبي للغاية أيضا علي الاستقرار السياسي. وهكذا فإن عملية التوازن في توزيع اعباء الإصلاح وعوائده يجب الا تغيب عن أنظار صانع القرار, إذ إنها بمثابة الضمانة والقاعدة الأساسية لنجاح عملية الإصلاح نفسها وتحقيقها لأهدافها. ومن ثم ينبغي علينا هنا أن نلقي نظرة أكثر تفصيلا علي مفهوم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وابعادة المختلفة وعلاقة ذلك بعملية الإصلاح.. حيث يتم قياس هذه الفوارق علي أساس الفرد أو الاسرة داخل مجمتع ما أو منطقة ما, استنادا علي توزيع الدخل أو الموارد.. وعادة ما يتم التمييز بين الفوارق في الدخل النقدي والفوارق في القدرات المتصلة بابعاد التنمية البشرية من تعليم وصحة وسكن وغيرها.. فبينما يري البعض أن ضمان تكافؤ الفرص بإرساء العدالة الاجتماعية, إلا أن آخرين يرون أن هذا ليس شرطا كافيا بل يلزم إضافة شرط آخر هو السعي المستمر إلي تصحيح الفروق الشاسعة في توزيع الثروة والدخل والنفوذ. ومن الجلي أن جانبا مهما من العوامل التي تفاقم وتراكم التفاوتات الاجتماعية يعود بالأساس إلي السياسات النيو ليبرالية( التي جري اعتمادها في مصر في العقد الأخير السابق علي ثورة يناير).. حيث يترافق التوجه إلي المزيد من الاقتصاد النيو ليبرالي مع التوجه إلي المزيد من الخصصة, مع التقشف علي صعيد الموازنة العامة للدولة.. وهذا البند الاخير يعني تقليص الدعم المقدم للسلع الأساسية وتجميد الأجور وزيادة الضرائب علي الاستهلاك, وكل ذلك ومع ارتفاع معدلات التضخم ينتج عنه الإضرار الشديد بالفئات والشرائح الأوسع في المجتمع وكذلك تقلص الخدمات والأدوار التي تقوم بها المرافق العامة.