لا يمكن النظر لأحداث العنف العنصرية التي وقعت في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا الأمريكية وأسفرت عن سقوط قتيلة وعشرين جريحا علي الأقل في حادث دهس متعمد, بمعزل عن البرنامج الانتخابي الذي وصل بموجبه الرئيس دونالد ترامب إلي سدة الحكم في الولاياتالمتحدة. ذلك البرنامج الذي وصفه المرشح الديمقراطي مارتن أومالي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية بالفاشي والديماجوجي, بل قد تكون الحادثة تنفيذا عمليا من جانب اليمين الأمريكي المتطرف لأحد تعهدات ترامب الانتخابية, التي لم يخف فيها عداءه لكل المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين في بلاده, ولا سيما المسلمين منهم, حيث تعهد الرئيس بمنعهم من دخول الولاياتالمتحدة باعتبار ذلك أمرا ضروريا لحفظ الأمن! وهو الأمر الذي يتعارض مع مبدأ احترام حرية الديانة المدرج في إعلان الحقوق الأمريكية. الحادث يعكس كراهية وعداء كبيرين من جانب اليمينيين الجدد لكل الأقليات الأمريكية من أصول غير بيضاء, تلك التي وجدت سندا ومؤيدا لها في البيت الأبيض, والتي تفسر نجاح ترامب في الحصول علي ثقة وأصوات هذه الفئات الموغلة في العنصرية, وما حادث الدهس الأخير إلا مجرد بداية لأحداث قد تكون أشد عنفا وقسوة وتطرفا من جانب النازيين الجدد وأمثالهم ضد ملوني البشرة أو من جاءوا من أصول عرقية تخالف العرق الأوروبي الأنجلوساكسوني. ترامب تعهد ببناء جدار عازل بين الولاياتالمتحدةوالمكسيك بطول1600 كيلو متر علي نفقة المكسيك, لمنع تدفق المهاجرين لبلاده, كما تعهد بطرد مليوني شخص, وإلغاء تأشيرات الدول الأجنبية التي تستردهم, وتشمل خطته أيضا طرد11 مليون مهاجر غير شرعي وإنهاء برنامج استقبال اللاجئين السوريين, وزيادة عدد موظفي الهجرة لثلاثة أضعاف, وفرض عقوبة السجن الفيدرالي لمدة عامين علي الأقل لجميع المهاجرين غير الشرعيين المرحلين الذين يعودون إلي الولاياتالمتحدة, ووصفهم في برنامجه بالسيئين والسيئين جدا. وإذا كان ترامب لم يف بتعهداته بخصوص المهاجرين غير الشرعيين, ولم يتمكن حتي الآن من إيجاد طريقة قانونية لطردهم, فرد فعله المتخاذل إزاء حادث شارلوتسفيل, والتلكؤ في إدانته بالصورة الواجبة, وعدم اعتباره حادثا إرهابيا, يكشف موافقته المبدئية ورضاه عن الحادث, الأمر الذي زاد من حالة السخط عليه من جانب الكثير من الأمريكيين الديمقراطيين والجمهوريين علي السواء, حيث اكتفي بإدانة الحادث من دون أن يشير إلي مسئولية اليمينيين المتطرفين بشكل مباشر وقال ندين بأشد العبارات الممكنة هذا التعبير الكبير عن الكراهية والتعصب الأعمي, وأعمال العنف التي تسبب بها أطراف عديدون, ما يعني تمييعه للقضية ومساواته المتعمدة بين الجناة والضحايا, بل ورفض في البداية إدانة اليمينيين في معرض رده علي أسئلة الصحفيين! أما أصل الحكاية فيتلخص في أن أحد النازيين الجدد ويدعي جيمس فيلدز قام بدهس متظاهرين ضد العنصرية بسيارته عندما اندفع بقوة بسيارته مستهدفا حشودهم, ثم تراجع بسيارته عدة أمتار وعاود الهجوم عليهم مرة أخري, هؤلاء المتظاهرون الذين اجتمعوا لمواجهة مظاهرة أخري نظمها معتنقو فكرة تفوق العرق الأبيض والنازيون الجدد وأعضاء من منظمة كو كلوكس كلان المتطرفة واليمين البديل آلت رايت احتجاجا علي إزالة تمثال الجنرال روبرت لي قائد قوات الجنوب الكونفيدرالية في الحرب الأهلية المؤيد لفكرة استمرار العبودية من المدينة. ورغم خطورة الحادث, وارتفاع عدد المصابين, فضلا عن دلالاته الكارثية علي الثقافة السائدة في المجتمع الأمريكي القائمة علي التنوع الثقافي والعرقي والديني التي كانت تعد إلي وقت قريب مثار فخر الأمريكيين شعبا وحكومة, إلا أن الرئيس لم يجشم نفسه عناء الانتقال إلي موقع الحادث, ولا تصرف بطريقة توحي بقلقه إزاء الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين مواطنين أمريكيين لأسباب عنصرية, واكتفي ببيانه المقتضب من نادي الجولف الذي يملكه في بيدمينستر في ولاية نيو جيرسي حيث يمضي عطلته! الحادث قد يكون الأول من نوعه في ولاية الرئيس دونالد ترامب, ولكنه بالقطع لن يكون الأخير, وإزاء رد الفعل المتقاعس من جانب الرئيس والشرطة الأمريكية التي وقفت تراقب الموقف, ولم تتدخل لمنع تداعياته الخطيرة لتقليل عدد الضحايا, فقد يشجع هذا النازيين الجدد وكل مؤيدي التطرف العنصري من المنتمين لليمين الأمريكي لارتكاب مزيد من الاعتداءات علي مخالفيهم في الرأي في المستقبل القريب, وقد تحدث شرخا عميقا يقوض الفلسفة التي قام عليها المجتمع الأمريكي.