توقفت كثيرا عند الحكم الصادر منذ أيام بالسجن لدكتور إسماعيل سراج الدين رئيس مكتبة الإسكندرية السابق وعدد من المسئولين الماليين بالمكتبة بتهمة إهدار المال العام. حزنت كغيري من المصريين أن يلوث سجل الرجل العلمي المعروف في محافل الدنيا من أقصاها إلي أقصاها بتهمة كتلك. واستعادت ذاكرتي مشاهد كثيرة تتعلق بالرجل الذي أكن له كل تقدير لا لإسهاماته في مصر وحسب, ولكن لتقدير العالم له وهو ما شهدته بنفسي في زيارات للخارج. الزمان: صيف2009 في مؤتمر علمي بحثي بمكتبة الإسكندرية حضرته بدعوي من دكتور يوسف زيدان رئيس مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية وقتها. يقدمني دكتور زيدان لدكتور إسماعيل فأحييه بما يليق به مستمعة لكلمات دكتور يوسف زيدان قائلا: لولا دكتور إسماعيل ما كانت مكتبة الإسكندرية وما كان الإقبال العالمي عليها وما استعادت مصر مكانة كتلك. ينصرف دكتور إسماعيل عنا فيكمل دكتور يوسف حديثه بالقول: هو صاحب فضل عظيم علي يوسف زيدان الواقف أمامك ومسيرته العلمية. أهز رأسي مستمعة وأنا أشاهد إقبال العلماء والبحاث من كل الجنسيات لمصافحة دكتور إسماعيل أو التقاط صورة معه. الزمان: أكتوبر2011 يحادثني دكتور يوسف زيدان مكالمة طويلة وكأنه كان يقرأ علي ما سبق له كتابته وبه اتهامات وانتقادات وهجوم علي دكتور إسماعيل سراج الدين!؟ أتعجب وأستمع في صمت فالرجل مثقف كبير في نظري وصديق لطالما جمعتنا نقاشات وحوارات في ما يكتبه ثقة منه في شخصي المتواضع. ينهي حديثه بطلب أن أنشر الحديث وكأنه حوار معه!؟ يصدمني الكاتب والمثقف الذي غير اتجاهه ورأيه بعد ثورة يناير ضد رجل هو من قدمني له ومدحه أمامي, وتحفظا أخبره بأنني علي سفر وسأحادثه بعد عودتي. أعود فأجد دكتور يوسف زيدان وقد نشر مقالا مطولا بالمصري اليوم بذات حروف ما قرأه علي ضد إسماعيل سراج الدين! ليكون تساؤلي: وإن كان فاسدا مهدرا للمال العام فلم كان صمتك وأنت المثقف المستقل الذي لا ينحني لأحد؟ وتتوالي الأحداث سريعة في المكتبة دعاوي واتهامات في قضايا مال ومظاهرات ضد دكتور إسماعيل سراج الدين يتردد فيها اسم يوسف زيدان, ثم استقالة يتقدم بها دكتور يوسف زيدان من منصبه في المكتبة وتقبل. الزمان: نوفمبر2011 أتواجد في جنوب إفريقيا لعمل تقرير عن المصالحة الوطنية أزور مؤسسة نيلسون مانديلا والتقي مديرها فيرن هاوس فيبادرني بالقول: لديكم عالم وأستاذ نحرص علي الاستماع له كلما جاء إلي هنا حتي رئيس الدولة والقضاة والعلماء والزعيم نيلسون مانديلا جميعهم يحرصون علي لقائه هو مؤسسة في حد ذاتها... إنه البروفيسور إسماعيل سراج الدين. تأخذني العبارة وكأنها رسالة لما تركت عليه بلادي وهي في حالة هياج اختلط فيها الحابل بالنابل. الزمان: أبريل2017 احتفال بالمرأة أدعي لحضوره بمكتبه الإسكندرية وطلب مني للقاء دكتور إسماعيل سراج الدين الذي يرحب بحوار مسجل معي لبرنامج تحياتي علي قناة الناس, فنتحاور في الجينات والأحلام والأهداف والعلم والتعليم ومسار حياة للعالم الجليل الذي شعرت بكل التقدير له لقدره وعلمه وإنجازه. يصافحني في نهاية الحوار قائلا: ما زلت أحلم وما زلت أسعي لدعم مشروع المجمع العلمي المصري وإعادته للحياة العلمية. ابتسم مرددة ومازال في قلب الرجل وعقله أحلام للعلم. تلك المشاهد تلخص علاقتي بدكتور إسماعيل سراج الدين الذي أعلم قدره وأعلم في ذات الوقت حجم ما قدمه لبلادي بإعادة الحياة لفكرة مشروع مكتبة الإسكندرية. وهالني أن يتحدث البعض عن إساءة متعمدة من الدولة لمكانته بحكم قضائي صدر ضده!؟ وكأن الاتهامات قد قدمت فور خروجه من منصبه كرئيس لمكتبة الإسكندرية وهو ادعاء عار من الصحة. أدرك الفارق بين إسماعيل سراج الدين العالم والمفكر ذي المكانة الدولية وإسماعيل سراج الدين الإداري مدير مكتبة الإسكندرية الذي كان لديه مدير مالي ومدير مراجعة ومجلس أمناء يراجع قراراته. ولكن الموقف يؤكد لي كما ذكر صديقي دكتور هاني سويلم أستاذ أبحاث المياه حاجتنا للفصل بين المسئولية المالية والمسئولية الإدارية في أي مؤسسة علمية أو ثقافية لحماية من هم مثل إسماعيل سراج الدين الذي أنتظر حكم تبرئته في المرحلة الثانية من التقاضي. وتبقي كلمة... نحتاج ثورة قضائية تطور منظومة العدل في بلادي. ونحتاج ثورة ثقافية وخلقية تطور منظومة التفكير بين أهل بلادي. وللحديث بقية...