تعتبر واقعة الإعلامية شيماء جمال المعروفة بمذيعة الهيروين مؤشرا سلبيا للحالة المتردية التي وصل إليها واقع الإعلام المصري في عصر الفضائيات المفتوحة, وارتفاع حدة التجاوزات في الآونة الاخيرة, وعلي الرغم من انتفاضة نقابة الإعلاميين ووقف المذيعة المذكورة عن العمل لمدة3 شهور. فإن هذه الواقعة تدعونا لطرح تساؤلات عن قوانين الإعلام التي مازالت قيد البحث والدراسة في مجلس النواب أو التي صدرت بالفعل ولم يتم تفعيلها حتي الآن, وفي هذا التحقيق تفتح الأهرام المسائي ملف تجاوزات القنوات الفضائية في ظل غياب واضح للقوانين الرقابية. قال د. سامي الشريف, أستاذ وعميد كلية الإعلام بالجامعة الحديثة ورئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق, أن الاعلام المصري يمر بأسوأ حالات الفوضي والعشوائية وانعدام المهنية في ظل غياب الضوابط التي تحكم العمل الإعلامي مما يؤثر علي منظومة القيم التي تبث علي الشاشة في ظل الانفلات الإعلامي, مستخدما مقولة من أمن العقاب أساء الأدب, ومن يخطئ لا يجد من يحاسبه علي هذا الخطأ. وأضاف: كنا نستبشر خيرا بالهيئات الإعلامية الثلاثة الجديدة متمثلة في المجلس الأعلي للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام والمجلس الأعلي لتنظيم الأعلام ولكن يبدو أنها انشغلت بصغائر الأمور ولم تظهر لها علامات في صد هذه التجاوزات وضبط منظومة الإعلام المصري بكافة أشكاله المسموع والمرئي والمقروء, ولا أحملهم كل الذنب ولكن يجب أن تكون خطواتهم أسرع من ذلك لعلاج الوضع المتردي الذي يعيشه الاعلام المصري ووضع ضوابط سريعة تحكم المنظومة ككل. وتابع أنا ضد وقف بث قناة فضائية لأن منعها يمكن أن يجعلها تبث من الخارج ولكن وجود ميثاق عام يحكمها ويلزمها بعدم مخالفة القواعد المهنية سيكون أفضل, ومن وجهه نظري من يخطئ ويخالف الضوابط العامة لابد ان يحاكم أمام المحكمة وبالقانون حتي يكون عبرة لغيره, ولكن المجلس الأعلي للإعلام لا يملك حق إيقاف أو محاكمة شخص أو قناة عن التجاوزات التي ترتكبها, وللاسف نحن ندور في دائرة مغلقة ولا ننظر لتجربة الدول المجاورة التي تحاكم من يخالف قواعد الإعلام. و أكد الإعلامي حمدي الكنيسي رئيس نقابة الإعلاميين, أننا نعيش حالة انفلات وعشوائية في السنوات الأخيرة, ومنظومة الاعلام لم تتبلور بعد مع عدم التزام اصحاب القنوات الفضائية بالدقة أو المهنية, وتتاح الفرصة لأي شخص لا يمتلك الخبرة ولا الدراسة لممارسة دور الإعلامي, وتصور البعض أنه يمكنه من خلال استخدام الإثارة والخروج عن المألوف جذب الجمهور ويتحول هذا الي عائد كبير عن طريق الإعلانات وهذه ظاهرة خطيرة, ونحاول التصدي لهذا أوقفنا مذيعة الهيروين عن العمل لمدة3 شهور واستجابت القناة لذلك, ونتخذ حاليا خطوات جادة للتحكم في هذه المسألة وتقنين الوضع بما يتناسب مع المعايير والأخلاقيات المهنية, مضيفا زمن الفوضي انتهي وكل من تسول له نفسه التجاوز سيتعرض للمسائلة. وقال حاتم زكريا رئيس لجنة الضوابط بالمجلس الأعلي للإعلام, هناك الكثير من الاخطاء وهناك ايضا الكثير من المحاولات لضبط العملية الإعلامية سواء من خلال لجنة رقابة علي المستوي الاعلامي المقدم علي الشاشة والإذاعة أو غيره, حتي أن المسلسلات الدرامية أصبحت تحت المراقبة طالما أنها تعرض علي الشاشة مضيفا أري أن بها الكثير من التجاوزات ولابد من تفعيل دور الرقابة بشكل حاسم لأنه مع الاسف العملية الاعلامية اصبح يحكمها البيزنس. وأشار زكريا إلي أن هناك الكثير من التجاوزات في برامج التوك شو وتقدم عدد من المواطنين ببلاغات ضد بعضها في النيابة موجهين الاتهامات للقنوات الفضائية والإعلاميين, لهذا نحتاج إلي تفعيل ومراقبة كل ما يبث علي الشاشة, مضيفا سبق وقمنا من قبل بفرض غرامات علي الاساءات التي ترصدها لجنة الرصد بالمجلس ولكن مع الاسف لم تطبق لضيق الوقت وباعتبارها محاولة لمنح فرصة ثانية للمخالفين للتراجع عما يقدمونه, ولكن خلال الفترة المقبلة ستطبق هذه الغرامات بحزم كما أقرها المجلس والنقابة, وهناك الكثير من الاجراءات الرادعة من بينها منع البث أو إيقاف الإعلامي وعدم ظهوره علي الشاشة سواء لمدة مؤقتة او طويلة وتصل العقوبات إلي حد المنع من مزاولة المهنة. قالت د. ماجي الحلواني عميد كلية الإعلام بالجامعة الكندية, اتشرف بعضوية لجنة لوضع ميثاق الشرف الاعلامي قامت بتشكيلها نقابة الاعلاميين مكونة من15 عضوا من اساتذة الاعلام والخبراء, من بينهم رئيس التليفزيون ورئيسة الاذاعة المصرية واساتذة إعلام مثل د.مني الحديدي استاذ الاعلام بجامعة القاهرة, واجتمعنا علي مدار10 جلسات بهدف وضع ميثاق شرف اعلامي يلتزم به جميع الاعلاميين ويؤكد علي الحقوق والواجبات والمبادئ العامة, وكان اخر إجتماع لنا الخميس الماضي لتنقية ما جاء بهذه الاجتماعات والخروج بميثاق شرف اعلامي مهني يلتزم به جميع الاعلاميين, مع وجود مستشار قانوني ويتولي المجلس الاعلي ونقابة الاعلاميين وضع معايير محددة وواضحة ويلتزم جميع العاملين في الحقل الاعلامي بهذا الميثاق, فقد ترك الحبل علي الغارب حتي وصلنا لهذا وضع المزري. وأضافت أن الأمر لا يتوقف عند حد التجاوزات علي مستوي الساحة الإعلامية فحسب ولكن يمتد ايضا للدراما فبها الكثير من التجاوزات الخطيرة والتي ينبغي النظر فيها, فقد عدد من الاعمال الدرامية في رمضان من بينها مسلسل الحرباية تزوجت فيه بطلة العمل خمس مرات متتالية بدون طلاق وهو ما اعتبره تدمير لقيم دينية وشرعية وأخلاقيه, كيف يظهر هذا المسلسل علي الشاشة بدون رقابة, فلابد ان يكون هناك حرية مسئولة والدراما لابد لها من ضوابط تحكمها ومعايير يتم مراجعتها قبل العرض علي الجماهير لأنها لا تذاع في مصر فقط ولكن للمنطقة العربية كلها. وأكدت أن ميثاق الشرف الإعلامي يصدر قريبا وستلتزم به القنوات الحكومية والخاصة حتي يسمح لها بالاستمرار في عملية البث بدون تجاوزات, والميثاق يشمل الحقوق والواجبات مع وجود ضوابط رادعة للقناة المخالفة ومنها ايقاف البث أو منع ظهور الاعلامي علي الشاشة او وقف البرنامج ككل, فهناك خطوات تصعيديه فلا ينبغي أن نترك الامور بهذا الوضع حتي لا تزداد سوءا وأتمني أن يكون الاعلام المصري إعلام صادق وملتزم بالمعايير المهنية والأخلاقية لأنه يعلم أجيال وجماهير كثيرة حتي لا يلجأوا إلي السوشيال ميديا المليئة بالأخبار المغلوطة وعلينا ان نعيد الجماهير إلي القنوات والإذاعات, ومن وجهه نظري أن الإذاعة المصرية هي النافذة الاعلامية الوحيدة المحافظة علي المعايير والأخلاقيات ولم يصدر منها أي تجاوزات. بينما لم تتفق د. درية شرف الدين رئيس اتحاد الاذاعة والتلفزيون الأسبق, أن حل ازمة التجاوزات بمجرد إقرار ميثاق الشرف الإعلامي قائلة:المسألة لا تنتظر ميثاق شرف إعلامي ولا حتي قوانين لأن التجاوزات استشرت من حولنا من القنوات الفضائية والرأي العام يرصدها قبلنا, والأمر كله يتركز في الرغبة في مواجهة هذه التجاوزات وبسرعة لانها تنتشر وتصبح مسار للتقليد وخاصة مع عدم وجود رادع قوي ودائما التجاوزات تجذب فئة ما من الجمهور العام وتتردد في وسائل التواصل الإجتماعي لتصبح مجالا للشهرة السيئة, وأنا من أنصار المواجهه الحاسمة وبشدة هذه التجاوزات لأنها تسئ لسمعة هذا البلد. أضافت شرف الدين, من الطبيعي وجود عرف وقواعد تحكم العمل الإعلامي ولا نحتاج لنص قانوني وغير متعاطفة لتخفيف العقاب علي المخطئ لأن التجاوزات معروفة علي مرأي ومسمع من الناس, ميثاق الشرف الإعلامي لمن لا يعرفه لا يمكن أن يتخذ عقوبات رادعة, لأن القوانين هي الرادع الحقيقي بينما الميثاق اعتبرها كلمة حلوة لا تؤدي المطلوب منها في حالة التجاوز والخطأ, كما نعترف أن لدينا في المجال الإعلامي العدجيد من مواثيق الشرف الإعلامية فيما لا يقل عن30 ميثاق تحكم المنطقة العربية كلها, وحتي في مصر توجد ميثاق شرف يحكم اتحاد الاذاعة والتلفزيون والذي أقررته وقت تولي رئاسة وزارة الإعلام ويعمل به داخل الاتحاد وقد لاقي هجوم شديد لأن العاملين رفضوا وجود شئ يحد من حريتهم, وهذا أمر طبيعي فالانسان لا يريد ان يحده شئ في حرية القول والفعل ولكن هذا لا يجوز في حق الدولة والمواطن ولا نقبل بالاساءات تحت بند الحريات, مع الحسرة مؤكدة أن الاعلام المصري تراجع بعدما كنا نتصدر الساحة.