سباب المسلم فسوق هكذا, ببساطة ووضوح تامين, علمنا رسول الله,, كما علمتنا أمهاتنا أن الشتيمة عيب, ولم نعرف عن رسولنا إلا أنه لم يكن فحاشا ولا لعانا ولا سبابا, ولم نسمع آباءنا ولا أساتذتنا ولا مشايخنا- جزاهم الله عنا خيرا يسبون أو يشتمون, والمسلم الكامل هو من سلم المسلمون من لسانه ويده, وجاء القرآن لينهي عن العنف والأذي اللفظي, يقول تعالي: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول, النساء:148] كالسب والشتم والغيبة والنميمة, والدعاء عليه بالشر, وألفاظ البذاءة وكلمات الفحش, فماذا حدث؟ يقول الدكتور زكريا الخطيب الباحث الشرعي: إن من الأمراض التي شاعت وعمت بها البلوي وتفشت في دنيا الناس هو مرض سلاطة اللسان وتفلته, والتطاول علي المخالف بأفظع الألفاظ تجريحا وتخوينا وتفسيقا, ومع مناخ الحرية الذي نعيشه رفعت الأغلال والكمامات التي كانت موضوعة علي الأفواه, إلا أن هذه الحرية لم يراعها كثير من الناس واستخدموها أسوأ استخدام, فلا هم راعوا أدب الخلاف, ولا أدبيات المجتمع, فضلا عن تناقضهم مع الدين والخلق والقويم, ويستهين الناس بكلمة يقولونها, والرسول الكريم يقول: إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يري بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار( الترمذي), وتنطلق الألسنة تخوض في أعراض الناس, الأعراض التي حماها الدين وجعل حفظها من مقاصد الشرع, فالناس مسئولون يوم القيامة عما تنطق به ألسنتهم, وما تخطه أيديهم في ورقة أو علي موقع إلكتروني, فهذا معاذ يسأل رسول الله متعجبا: يا رسول الله, وإنا لنؤاخذ بما نتكلم به؟ فقال صلي الله عليه وسلم: ثكلتك أمك معاذ, وهل يكب الناس علي وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم. كما أن الإسلام ينهي المؤمنين عن السخرية والاستهزاء, فالمجتمع المسلم يقوم علي الصدق والاحترام, يقول تعالي: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم, الحجرات:11]. يقول المفسرون: إن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام بهدي القرآن, مجتمع له أدب رفيع, ولكل فرد فيه كرامته التي لا تمس, وهي من كرامة المجموع, ولمز أي فرد هو لمز للنفس ذاتها, لأن الجماعة كلها وحدة, كرامتها واحدة, والقرآن في هذه الآية يهتف للمؤمنين بذلك النداء الحبيب: يا أيها الذين آمنوا وينهاهم أن يسخر قوم من قوم أي رجال من رجال, فلعلهم خير منهم عند الله, أو أن يسخر نساء من نساء فلعلهن خير منهن في ميزان الله. ويزداد التعصب وازدراء المخالف حينما يرق الورع ويقل العلم ويفشي الجهل, وحينما يفترض في المخالف سوء النية وينصب المتعصب المغالي في الخلاف نفسه حكاما علي ما في بواطن الناس, ولو أنه أخلص لله وتحلي بأدب الإسلام, وبين أعيننا قول رسول الله,,: سباب المسلم فسوق, فالتطاول علي المخالف لنا يؤدي إلي فسوق جرمه أعظم من هذا الخلاف وقد أقر العقلاء قاعدة: لا يدفع الضرر بضرر أكبر منه, وعليه فإنه لا يصحح الخطأ بخطأ أكبر منه. والله من وراء القصد. ويقول الشيخ محمد عبدالقوي, الخطيب بالأوقاف: لا ريب أن الخلاف والنزاع من أسلحة الشيطان التي يوغر بها صدور الخلائق فيتفرقوا بعد اتحاد ويختلفوا بعد اتفاق, ويترتب علي هذا أن كثيرا من الناس يسب إخوانه وخصومه بألفاظ مذمومة ويشبههم بالحيوان ويصفهم بالكلاب وتارة يصفهم بالحمير وهذا مما يوغر الصدور وينمي العداوة والبغضاء ليس هذا فحسب بل قد يهوي هذا الكلام بقائله في جهنم. والله سبحانه خلق الإنسان في أحسن تقويم لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم, سورة التين:4], أي في أحسن قامة وأحسن صورة. وكرمه فقال: ولقد كرمنا بني آدم, الإسراء:70] وفضله علي غيره من الحيوان, وجعله خليفته في الأرض, وأسجد له ملائكته, وجعله سيدا في هذا الكون, وسخر له ما في السموات وما في الأرض. فهو بذلك له مكانته ومكانه المفضل بين الخلق جميعا, وقد منح الله هذه الكرامة لكل الناس بلا استثناء لتكون سياجا من الحصانة والحماية لكل فرد من أفراد الإنسان, لا فرق بين غني وفقير وحاكم ومحكوم وقوي وضعيف وأبيض وأسود. فالجميع أمام الله وأمام القانون وفي الحقوق العامة سواء. ويضيف الشيخ عبدالقوي: وعلي هذا فقد نهي الله في قرآنه عن التنابز بالألقاب, فقال: ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان, الحجرات:11], والتنابز كما قال عطاء: هو قولك يا كلب, يا حمار, يا خنزير. فإياك والتنابز بالألقاب, فإنه يوغر الصدور, ويسبب التباغض والفرقة والقطيعة. ولقد نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن احتقار المسلم فقال: المسلم أخو المسلم, لا يظلمه ولا يخذله, ولا يحقره, التقوي ها هنا- ويشير إلي صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم, كل المسلم علي المسلم حرام: دمه وماله وعرضه.( رواه البخاري) وحذر سلفنا الصالح من هذه الألفاظ: فروي ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: كانوا يقولون: إذا قال الرجل للرجل:( يا حمار.. يا كلب.. يا خنزير) قال الله له يوم القيامة: أتراني خلقت كلبا, أو حمارا, أو خنزيرا؟, وقال النووي رحمه الله تعالي: ومن الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة قوله لمن يخاصمه: يا حمار, يا تيس, يا كلب, ونحو ذلك, فهذا قبيح لوجهين, أحدهما: أنه كذب. والآخر: أنه إيذاء. ولذا جاءت الفتوي بإثم وتعزير من يقول يا حمار يا كلب. فقال ابن مفلح في الفروع: ويعزر من سب أخاه بقوله: يا كافر, يا فاجر, يا حمار, يا تيس, يا ثور!, نسأل الله أن يوحد صفنا ويجمع شملنا وأن نمتثل قول الله مع إخواننا وقولوا للناس حسنا, البقرة83]. فما وضع الرفق والأسلوب الحسن في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه. ويقول الشيخ عبد المنجي مدين, الخطيب بوزارة الأوقاف والباحث في علوم الحديث: لا أدري بأي وجه يقابل الذين يسبون دين الله وجه ربهم, فقد بعث الله عز وجل لهم نبيا يخرجهم من الظلمات إلي النور, فهل بعد هذا يكون الجزاء هو خروجهم إلي الظلمة مرة ثانية, ومقابلة الجزاء الحسن بما هو قبيح؟! وهل بعد أن سطعت شمس محمد, علي الآفاق تملؤها رحمة وهدي يأتي هؤلاء ليعكروا علينا صفوهها؟! ونسمع صباح مساء في شاشات التلفاز وعلي مواقع الإنترنت قوما يتبجحون علي الله ورسوله, ويصل الأمر إلي سب الدين, وهو أمر من أكبر الكبائر, ويخرج قائله عن الملة, فقد اتفقت كلمة العلماء علي أن من سب ملة الإسلام أو دين الإسلام يكون كافرا, إن قصد به الأحكام المطهرة التي شرعها الله علي لسان نبيه, قال تعالي: إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا, والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا, فقد فرق الله عز وجل في الآية بين أذي الله ورسوله وأذي المؤمنين والمؤمنات, فجعل علي أذي المؤمنين أنه قد احتمل بهتانا وإثما مبينا, وجعل علي أذي الله ورسوله اللعنة في الدنيا والآخرة, وإعداد العذاب المهين له. ومعلوم أن أذي المؤمنين قد يكون من كبائر الإثم, وليس فوق ذلك إلا الكفر. ولا يصح أن يقال هذا لا في الجد ولا في الهزل, ونوصي من يفعل ذلك بأن يتوب إلي الله, الذي يقبل التوبة عن عباده, وأن يعود لسانه علي ذكر الله, فاللسان الرطب بذكر الله لا يعرف السب ولا الشيمة, ولا يحب أحد أن يشتمه أحد أو يسبه, فعليه أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به, ونذكر بقول الرسول الكريم,: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. فالعنف اللفظي يأتي مقدمة للعنف الجسدي, وهذا أمر لا يليق بالمسلم, ولا يحسن به الوقوع فيه, ويجب علي الجميع مواجهة هذا الانفلات اللفظي, وفي مقدمتهم رجال الدين, علي المنابر وفي الدروس وبرامج الفضائيات, ومن يحب الرسول يقتد به في أخلاقه الكريمة, وعذوبة لفظه, وجمال معاني كلامه.