عملت في عدة مجتمعات وخابرت العمل في مجتمعات أخري مما جعلني أتساءل بين الحينة والأخري: لماذا لا يكون عملنا في الغالب منتجا؟ ولعل مقارنة المواقف علي صغر حجمها توضح بعض لمحات الموقف وإن كانت لا تجيب عليه, في المجتمعات المتقدمة تجد الموظف العام معينا للمواطن وللأجنبي سواء بسواء في تقديم ما يطلب منه في حدود اختصاصه. حين عملت في ألمانياالغربية( قبل توحيد الألمانيتين) تعجبت من مأمور الضرائب الذي يحدد لك ما يمكنك خصمه من الوعاء الضريبي بالكامل مثل سفريات العمل بكامل فروعها من مأكل ومشرب ووجبات العمل للعملاء( وجميعها بقسائم ومنها أجرة ركوب سيارات الأجرة) مما يجعلك أمام موقف متعادل في الأمانة ويدفعك دفعا لأن تذكر موقفك بالتفصيل وأنت مرتاح الخاطر. وعلي الجانب الآخر تجد أن مصروفاتك المهنية عندنا لا يتم استقطاعها بالكامل باعتبار أنك من خلالها قمت بالتنزه بجانب العمل إضافة إلي عدم إمكان الحصول علي قسائم شراء بعض المواد والخدمات مما يرسخ في ذهن دافع الضرائب مفهوم الاضطهاد خاصة عندما يضخ الإعلام قضايا المصالحة في الملايين التي لم تحاصل. الأمر يعكس صورة مشوهة لمنظومة عمل يظن أنها تحدد مبلغ قطعيا للتحصيل من كل مأمورية! تلك المعادلة شوهت منظومة العدالة في هذا القطاع ولنا أن نتخيل النتوآت التي تفرزها تلك التشوهات. هذا الموظف الذي يمارس ما يمليه عليه رؤساؤه يصبح في مصلحة أخري الضحية. المهم أن الموظف العام عندنا هو من يطيع رؤسائه الذين يعهدون إلي مرؤوسيهم بالتعليمات ولا يشركونهم في تحقيق هدف الجهة التي يعملون بها الذي نجده دائما مدونا في بعض الصفحات دون أن ينعكس ذلك علي الواقع الفعلي, ولعل الشركات المتوقفة والتي تنهي أعمالها تشير إلي وجود شيء ما يتطلب الإصلاح, هل ملاحظة أن أغلب تلك الشركات المتعثرة مملوكة لأجانب لا تسمح نظمهم بالتكيف مع قواعد اللاقواعد أو مملوكة لصغار المستثمرين الذين لا يعرفون أو لا يستطيعون ممارسة لعبة الكبار فلم أسمع عن شركة تعثرت من شركات كبار الممولين إلا شركات القطاع العام التي تتبع نهج اللانهج في الإدارة وهو مراعاة الجانب السلبي من قواعد العمل بلا نظرة مستقبلية وبلا هدف واضح يؤمن به كلةه عامليها! قطاع التعليم الجامعي يعاني أيضا من الضبابية رغم أن قانونها الخاص يحدد كيفية وضع أهداف المؤسسة ويحدد اختصاصات محددة للقسم والكلية والجامعة ومن هذه الاختصاصات عقد مؤتمر علمي مرتين علي الأقل سنويا للأقسام العلمية ومرة علي الأقل للكليات لتدارس ومناقشة كل شئون التعليم والبحث العلمي في القسم والكلية, وتقييم النظم المقررة في شأنها ومراجعتها وتجديدها بما يحقق انطلاقها لملاحقة التطور العلمي والتعليمي ومطالب المجتمع وحاجاته المتطورة, فهل يتم ذلك رغم وجود أهداف مكتوبة في مكان ما!؟ القضية أن انتماء الفرد لمكان عمله به أكثر من شرخ أولها أن عقد تلك المؤتمرات مسئولية رؤساء مجالس الأقسام وعمداء الكليات, فهل تم محاسبتهم علي التقصير في تطبيق القانون؟ أعرف قسما علميا لم يعقد مؤتمرا علميا للقسم لمدة أربعين عاما, كما أعرف كلية عقدت المؤتمر العلمي لها مرة واحدة فقط خلال أربعين عاما! ويتساءل البعض بعد ذلك عن الولاء لمكان العمل. وبعد هذا يمكنك أن تتخيل أقساما علمية لا هدف لها ولا رابط لبحوثها مع قضايا التنمية ولا تكامل بينها وبين غيرها من الأقسام. كان ومازال التعليم والبحث العلمي في قلب قضية التنمية فهل تمارس مؤسساتها التنمية داخلها؟ هذا قد يكون بيت المشكلة!