ومنذ ثورة30 يونيو ومصر درك أن ما يعاني منه الاقتصاد المصري ليس أمرا فريدا أو شاذا خاصة في الدول الآخذة باقتصاديات السوق وقد تعرضت له العديد من بلدان الاقتصاديات الناشئة أمثال المكسيك ودول النمور الآسيوية والأرجنتين ومؤخرا البرازيل, لذا تبني الرئيس برنامج إصلاح اقتصادي حقيقيا شاملا ومتدرجا في ترشيد الدعم النقدي وعادلا في توزيع ثمار النمو, بعيدا عن الشعارات والتصريحات الوردية والوعود والمسكنات التي تمنع تقدم الدولة. لقد تجاوز حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي في ثلاثة أعوام ألبوم من الصور القاتمة; حيث كان المشهد الأكثر إيلاما زيادة معدلات السحب من الاحتياطي النقدي الذي انخفض بنسبة58.6% ليصل إلي14.9 مليار دولار في يونيو2013 مقابل36 مليار دولار في نهاية2010, وتدهور غير مسبوق في سعر صرف الجنيه بسبب الخلل الهيكلي في سوق الصرف حيث تعدد أسعاره وأصبح خاضعا لسيطرة المضاربين من تجار العملة الذين استفادوا من السياسات المالية والنقدية والتجارية التي كانت سائدة إبان تلك الفترة وفي مقدمتها سياسات العجز في الموازنة والسفه في الاستيراد الذي أدي الي زيادة الطلب علي الدولار خارج القطاع المصرفي, وعملية التعويم المدار التي تمت للجنيه في السنوات التالية لثورة25 يناير واستمرت حتي الثالث من نوفمبر2016, حيث أسفرت عن فقدان الجنيه لنصف قيمته تقريبا. ومن الصور المؤلمة أيضا في سلوكيات حكومة الإرهابية إطلاق البنك المركزي25 ديسمبر2012 آلية المزادات الدولارية التي تسمح للمركزي ببيع الدولار للبنوك التجارية في مزادات مغلقة لمواجهة اشتعال سعر العملة الصعبة في السوق السوداء, مما ترتب عليها فقدان مليارات الدولارات. وللتغلب علي الخلل القائم في سوق الصرف وتحقيق استقراره قررت حكومة المهندس شريف إسماعيل تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي علي صعيد السياسة النقدية وكان من أهم الإصلاحات التي نفذت قيام البنك المركزي بقيادة طارق عامر بتحرير سعر الصرف في شهر نوفمبر6102 وتحديد قيمته وفقا لآليات العرض والطلب, بهدف اتباع نظام مرن لسعر الصرف إلي وجود سوق موحدة لتداول العملات الأجنبية وبما يسهم في توفير التمويل المطلوب لكل المتعاملين وإطلاق الحرية للبنوك العاملة في مصر في تسعير النقد الأجنبي بشكل سليم يعكس تدفقات النقد الأجنبي وبما يعزز من تنافسية الاقتصاد المصري ويسهم في زيادة رصيد الاحتياطي الأجنبي وهو ما يضيف مزيدا من الثقة والصلابة في قدرة الإقتصاد المصري علي مواجهة أي صدمات اقتصادية مؤقتة, ولضمان نجاح نظام سعر الصرف المرن الجديد قامت السلطات النقدية والبنوك باتخاذ حزمة من الإصلاحات تتمثل في اتباع سياسة نقدية تقييدية لامتصاص السيولة الزائدة من السوق للسيطرة علي المضاربة وتوقعات التضخم المستقبلية, كما طرحت البنوك شهادات ادخار ذات عوائد مرتفعة لمواجهة آثار التضخم المتوقعة وجذب العملاء لإيداع مدخراتهم بالعملة المحلية. كما قرر إلغاء قائمة السلع الأساسية التي يتعين علي البنوك إعطاؤها أولوية في تدبير العملة الأجنبية عند تنفيذ العمليات الاستيرادية الخاصة بها وإلغاء الحدود القصوي للإيداع والسحب النقدي للأفراد الطبيعيين والأشخاص الاعتبارية باستثناء تلك العاملة في مجال استيراد السلع غير الأساسية التي تخضع لحد أقصي بواقع10 آلاف دولار خلال اليوم وبحد أقصي50 ألف دولار خلال الشهر للإيداع و30 ألف دولار للسحب. ورغم حالة الجدل التي سادت بين خبراء الاقتصاد والاستثمار والتمويل حول تعويم الجنيه المصري, إلا أن المؤشرات الاقتصادية الصادرة حديثا أكدت صحة قرار محافظ البنك المركزي طارق عامر, ونجاحه في تحقيق استقرار سعر الصرف وزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي ليصل إلي31.1 مليار دولار في يونيوالجاري, تغطي6 شهور واردات, وهذا ما أكدته وكالة بلومبرج الأمريكية, المتخخصة في الاقتصاد, ودليل علي أن عرض النقد الأجنبي أصبح أكبر من الطلب عليه وجود فائض كلي في ميزان المدفوعات بلغ11 مليار دولار خلال الفترة من يوليو إلي مارس من السنة المالية الجارية مقابل عجز كلي بلغ3.6 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من السنة المالية السابقة. ومن أهم مكاسب تعويم الجنيه, تبعا للدكتورة نجلاء نزهي, وكيل المحافظ المساعد لقطاع البحوث الاقتصادية, تصاعد تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال الفترة من نوفمبر إلي أبريل من العام المالي الجاري مقارنة بنفس الفترة من العام السابق بمقدار930 مليون دولار بمعدل11.1% لتصل إلي نحو9.3 مليار دولارمقابل8.3 مليار دولار, وتوفيرالبنوك35 مليار دولار لتلبية احتياجات العملاء وتدبير الاعتمادات المستندية منذ تحرير سعر الصرف وحتي الخامس والعشرين من مايو الماضي وفقا لطارق فايد وكيل محافظ البنك المركزي, وتجاوز حصيلة البنوك من التدفقات النقدية بالعملات الأجنبية19.2 مليار دولار منذ قرار التعويم وحتي منتصف أبريل الماضي. ومن إيجابيات تحرير سعر الصرف أيضا, إصدار سندات دولية بقيمة4 مليارات دولار في يناير2017 وهو الطرح الأكبر لها علي الإطلاق والأول في أسواق المال العالمية منذ يونيو2015, وقد شهد الطرح إقبالا كبيرا وغير مسبوق من المؤسسات الاستثمارية الدولية ومن بينها عدد من المؤسسات التي تستثمر للمرة الأولي في سندات مصرية أو تعود بعد غياب للاستثمار في أوراق مالية مصرية, هو ما يمثل شهادة ثقة حقيقية حول جدية واتساق برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري وقد تخطي معدل التغطية للطرح حاجز الثلاث مرات; حيث وصل حجم طلبات الشراء ما يزيد علي13.5 مليار دولار, بالإضافة إلي وجود طلبات شراء من أهم وأكبر البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار الدولية, وبلغ رصيد اكتتاب الأجانب في الأوراق المالية الحكومية نحو4.7 مليار دولار في نهاية مارس2017 بزيادة4 مليارات دولار منذ نوفمبر الماضي. ومن الأصداء الإيجابية التي شهدها الاقتصاد المصري بعد تحرير سعر الصرف, موافقة صندوق النقد الدولي علي منح مصر قرضا بقيمة12 مليار دولار علي4 شرائح بهدف دعم برنامج الاصلاح الاقتصادي, تم صرف الشريحة الأولي منه بالكامل, وتحقيق حصيلة الصادرات السلعية قفزة بمعدل29.8% لتسجل نحو5.5 مليار دولار خلال الفترة يناير/مارس2017 مقارنة بالفترة المناظرة, لارتفاع الميزة التنافسية لأسعار الصادرات المصرية عقب قرار تحرير سعر الصرف, وارتفاع الاسعار العالمية للبترول, وتراجع عجز حساب المعاملات الجارية للمرة الثانية علي التوالي خلال فترة المقارنة بمعدل37.7%. ونتيحة لرفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة في أعقاب تعويم الجنيه500 نقطة أساس علي مرحلتين ليصل إلي16.75% و17.75% علي التوالي. ورفع سعر العملية الرئيسية للبنك المركزي ليصل إلي17.25% وزيادة سعر الائتمان والخصم ليصل إلي17.25% بلغ إجمالي حجم الودائع نحو2.7 تريليون جنيه بنهاية شهر فبراير2017 بزيادة نحو40.3% علي شهر فبراير2016, وحققت الودائع غير الحكومية بالعملة الأجنبية نموا بنسبة111% خلال ذات الفترة, وارتفاع التسهيلات الائتمانية بالعملة الاجنبية بنسبة95% لتصل الي476.6 مليار جنيه في فبراير الماضي.