تنهار الثروة السمكية في قاع واحدة من أقدم بحيرات العالم, بعد ارتفاع نسب التلوث والملوحة بها بفعل تحويلها لمصب لمياه الصرف الزراعي والصحي, وفقدت بحيرة قارون ثروة طبيعية ضخمة من الأسماك. وتعد بحيرة قارون من أقدم بحيرات العالم الطبيعية,وثالث أكبر البحيرات في مصر أنهار إنتاجها السنوي من الأسماك إلي ألف طن العام الماضي مقارنة بعام2014 وكان الإنتاج40 ألف طن,ولكن يبدو أن حزمة من المشروعات الجديدة لإنقاذ البحيرة لتعود الثروة السمكية إليها مرة أخري,وذلك تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يولي اهتماما خاصا بتنمية وتطوير البحيرات. وتحيط ببحيرة قارون ما يقرب من88 قرية بدون خدمات للصرف الصحي,ولذلك تحولت البحيرة لمصب للصرف الصحي لتلك القري, بالإضافة إلي الصرف الزراعي حيث يغذي البحيرة مصرف البطس ومصرف الوادي, بالإضافة إلي12 مصرفا فرعيا آخر وتبين أن هذه المصارف تغذي بحيرة قارون بحوالي69% من مياه الصرف بمحافظة الفيوم. وتبلغ مساحة بحيرة قارون نحو55 ألف فدان, وتقع شمالي مدينة الفيوم علي بعد نحو27 كم منها, يصل عمقها في بعض الأماكن إلي14 مترا. وتحتوي بحيرة قارون علي أسماك لا توجد إلا في المياه المالحة وأخري لا توجد إلا في المياه العذبة, مثل البلطي, وسمك الموسي, والبوري, والطوبار, والدنيس, والقارومي, والجمبري, وثعبان الماء, وقبل سنوات مضت كانت البحيرة من أكثر مصادر أنواع مثل البلطي والموسي والجمبري, إلي أن أثر التلوث علي تلك الأنواع, فلم تعد تنتج إلا السمك البلطي بكميات قليلة جدا, بعد أن كان يمثل ثروة سمكية واقتصادية كبيرة للمحافظة. وكشفت أحدث دراسات المركز القومي للبحوث برعاية أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا عن مظاهر التلوث ببحيرة قارون عن ان ارتفاع نسبة الملوحة في هذه البحيرة تعتبر العامل الأساسي لتدهور بيئتها حيث وصلت الي40 جراما في اللتر الواحدمع أنها كانت لاتتجاوز4 جرامات في اللتر في أوائل التسعينيات ما أدي إلي تلوثها من المبيدات الزراعية والصرف الصحي. وأكدت الدراسة أنه إذا استمر ارتفاع الملوحة هكذا حتي وصل الي50 جراما في اللترسوف تتحول الي بحيرة ميتة تنعدم فيها كل مظاهر الحياة من الكائنات الحية. وترجع أسباب ارتفاع الملوحة فيما أشارت اليه الدراسة إلي استقبال البحيرة لملايين المترات المكعبة من المياه تصل الي427 مليون متر مكعب تضخ سنويا محملة بالأملاح المترسبة في التربة- الأسمدة والكيماويات والمبيدات الزراعية التي يقع منها أثناء الرش علي التربة لا يقل عن الثلثين- وكل هذا يغسل مع مياه الصرف ويذهب الي البحيرة, وفي ذات الوقت فان التبخير هوالمنفذ الوحيد لنقص المياه لأنها بحيرة مغلقة, حيث تقع عند منسوب44 مترا تحت سطح البحر في منطقة مدارية حارة معظم فصول السنة حتي في الشتاء يكون معتدلا وليس باردا, وبالتالي فكل ما هو محمول من هذه الأملاح يترسب في البحيرة ووفقا لتقديراتنا وجدنا أن متوسط مايترسب سنويا من الأملاح هناك يبلغ نحو9 ملايين طن وهي في معظم تركيبها ملح كلوريد الصوديوم الذي يشكل نحو65% من جملة الأملاح ويليه ملح كبريتات الصوديوم ثم كبريتات الماغنسيوم والمنجنيز وأملاح أخري من المعادن الثقيلة. وأدي ارتفاع نسب التلوث بالبحيرة إلي نفوق الأسماك والكائنات البحرية,فانخفض الانتاج السمكي من40 ألف طن إلي ألف طن فقط أو يقل بنسبة انخفاض تزيد علي75% وذلك وفقا لتقارير هيئة الثروة السمكية,كما تسبب التلوث في نقص كبير في أنواع الأسماك بعد أن كانت البحيرة تضم أكثر من37 نوعا مختلفا من الأسماك,أصبحت تضم3 أنواع فقط,ووفقا لما أعلنته إدارة المحميات بالمحافظة. وتشهد بحيرة قارون كارثة بيئية واقتصادية كبيرة بسبب عمليات نقل الزريعة إلي البحيرة,حيث تبين أنه تم نقل زريعة مصابة بطفيل تسبب في نفوق الأسماك وتشريد الصيادين الذين هجروا البحيرة بعد أن تدهور الإنتاج, وبات من الصعب أن يوفر صياد بحيرة قارون قوت يومه. وكشف تقرير اللجنة المشكلة للتحقيق في أسباب اندثار الزريعة في بحيرة قارون, أن البحيرة تشهد كارثة حقيقية أهدرت الثروة السمكية وأضاعت البحيرة وهي انتشار طفيل الأيزبودا بمياه البحيرة. حيث ذكر التقرير أن بداية المشكلة كانت عام2013, حيث تم إلقاء زريعة بها الطفيل والقناديل الصغيرة بالبحيرة بدون عمل حضانات أو الفحص اللازم للزريعة مع انتشار التلوث بالبحيرة ونسبة الملوحة العالية, بالإضافة إلي أنها بحيرة مغلقة انتشر الطفيل بشكل كبير وتسبب في نفوق الأسماك. وأشارت الدكتورة نسرين عز الدين,عضو اللجنة والاستاذ بكلية الطب البيطري,إلي أن هذا الطفيل له3 أشكال إما في الخياشيم أو علي الجلد والقشور أو يكون لنفسه جيب في العضلات وتم رصد النوعين الأول والثاني في بحيرات مصر, منوهة إلي أنه لم يكتشف النوع الثالث حتي الآن. كما أصدر معهد بحوث صحة الحيوان بمركز البحوث الزراعيةبوزارة الزراعة, تقريرا عن الطفيل يؤكد أن طفيل الايزوبودا يسبب أضرارا للأسماك, لأنه يتطفل علي جلدها أو الخيشوم أو في تجويف معدتها, ويؤثر بشكل عام علي النمو ويعمل علي التهام الأغشية المخاطية وخلايا الجلد, ويمتص الدم, خاصة حينما يكون السمك من الزريعة والإصبعيات. وفي السياق نفسه, كشف التقرير عن10 حلول لأزمة نفوق الأسماك في بحيرة قارون وتدهور إنتاجها السمكي, منها تحسين صورة المياه وعناصرها المهمة من الأكسجين والتخلص من الأمونيا الزائدة, عن الحد المسموح, وتحسين نوعية مياه الصرف الزراعي والصحي من خلال إعادة معالجتها معالجة ثلاثية, وتحسين نوعية مياه الصرف الصناعي لمنع التلوث بالمعادن الثقيلة. ولفت التقرير إلي ضرورة تشكيل لجان متابعة للكشف الدوري علي المسطحات المائية المختلفة لرصد المسببات المرضية, لحماية الثروة السمكية, والكشف علي المزارع السمكية حول البحيرة وعدم صرف مياه المزارع إلا بعد معالجتها, مع مراعاة شروط الصحة العامة والإعاشة الجيدة للأعلاف المستخدمة, مشيرا إلي أهمية تخفيف حدة الملوحة بالبحيرة عن طريق التخلص من الأملاح الزائدة بالمياه بالطرق التكنولوجية دون الإضرار بالبيئة. وشدد التقرير علي أهمية استخدام زريعة بحرية ذات جودة عالية خالية من المسببات المرضية لأنواع البوري, والبلطي, والذيللي, والقاروص, والوقار, بما لا يخل بالتركيب البيئي, مع ضرورة حظر الصيد خلال موسم التبويض لإكثار الأسماك بالبحيرة وزيادة الإنتاجية, لافتا إلي ضرورة الاهتمام بحرم البحيرة من خلال التخلص من العشوائيات الضارة بالبيئة البحرية, وعمل محميات للطيور المهاجرة إلي البحيرة خلال فصل الشتاء لحماية الإنتاج السمكي من المسببات المرضية التي تحملها تلك الطيور.