ينتسب الفيلم لمخرجه, لذلك فإن الأب الشرعي لفيلم المواطن مصري هو المخرج الكبير صلاح أبوسيف, وعندما يكون الفيلم مأخوذا عن عمل أدبي, تزيد أسهم المبدع صاحب الرواية أو القصة. وبذلك فإن الكثيرين ينسبون الفيلم ليوسف القعيد صاحب رواية الحرب في بر مصر المأخوذ عنها المواطن مصري, وبذلك لم يأخذ إسهام السيناريست الذي أعد الرواية للسينما حقه, برغم أن تقديرنا الشخصي يذهب إلي أن له الفضل الأكبر في هذا العمل تحديدا, وهو السيناريست الراحل محسن زايد. وتبلغ براعة زايد قمتها في أنه أجاد رسم الشخصية الأهم في العمل, وهي ليست طرفي الصراع( العمدة الظالم المواطن المصري), وإنما شخصية عبدالموجود الذي هو أبو مصري. لابد أنك تعرف القصة.. عزيزي المشاهد.. فالعمدة يدفع بأحد أبناء القرية ليخوض الحرب بدلا من ابنه, ليموت أيضا بدلا منه في سبيل الأرض التي تذهب للعمدة, والرمز هنا أوضح من الإشارة إليه, فالغلابة خاضوا الحرب بدلا من السادة القابعين في السلطة, وهم الذين استشهدوا, في حين ذهبت مكاسب الحرب كلها للبكوات. إنها القصة نفسها التي قدمها عاطف الطيب في سواق الأتوبيس, لكن برومانتيكية أعلي, وفجاجة أقل. وحده عبدالموجود, أبو الشهيد, هو الذي جعل القصة من لحم ودم, فعبدالموجود بحسب حوار زايد هو مصر اللي ابنها ما جابش مجموع دائما50%, لا يفرح للنهاية, ولا يحزن للنهاية, ولا يثور للنهاية, ولا يخنع للنهاية, ولا يبيع مبادئه للنهاية, ولا يحافظ عليها للنهاية. وربما لأول وآخر مرة, نري مصر ممثلة في رجل, فقد جرت العادة أن تكون أنثي, بهية, لكننا هنا نجد عزت العلايلي ممثلا لها, هل لأنه كان يجسد مصر الشعب وليس مصر الدولة؟ يجوز. أجاد العلايلي في هذا الفيلم الذي تم تقديمه عام1991 في أثناء حرب أخري هي حرب الخليج, التي تورطت مصر فيها, وكان الشعب يفضها, وكان هذا الفيلم أحد أدواره العلامات إلي جانب الأرض والاختيار والسقا مات, وكان إهماله في مظهره معظم مشاهد الفيلم, وعدم تهذيبه للحيته ملمحا عبقريا يحسب له ولأبوسيف. وإذا تركنا السياسة لنحاول اكتشاف الملامح الإنسانية لشخصية عبدالموجود, فستجد أنه المستعد دائما بغير استعداد, المقتنع دائما بغير اقتناع. ولفك هذا التناقض نقول: إن عبدالموجود مستعد لتقبل أي ظروف وأي مصائب, مستعد للأسوأ وللأقل شأنا, يدخل بهو العمدة فيجلس علي الأرض برغم أنه يتفاوض علي ابنه, ومستعد لقبول أقل المكاسب في تلك المفاوضات, بل إنه يغضب من ابنه الحريص علي أن يكون في مركز قوة, ولو بالشكل, مستعد للتنازل عن أرضه لأنه لا يجرؤ علي أن يقول للعمدة تلت التلاتة كام. كما أن عبدالموجود مقتنع دائما, برغم أنه يعرف أنه مظلوم حتي يصل به الأمر إلي أن يشكر العمدة ويكثر خيره لأنه أرسل ابنه إلي الحرب, لأنه بذلك أبعده عن مشكلات الجمعية الزراعية. هو لا يعرف الحرب, ولا يعرف مشكلات الجمعية الزراعية, ولا يعرف حقوقه لدي العمدة ولا واجباته, ولا يعرف كيف يحافظ علي ابنه, هو دائما يري أننا أحسن من غيرنا, وهو لا يعرف غيرنا, ولا يريد أن يعرف شيئا من كل هذا, ولهذا فإنه يخاف التغيير. حتي عندما اصطدم بالحقيقة المرة, وتسبب في استشهاد ابنه الوحيد, فقرر أن يثور علي العمدة, لم يكمل ثورته, وأقنعه هذا العمدة بأن ما حدث من مصلحة ابنه الشهيد لأنه الآن في الجنة, بينما نحن في الجحيم, مطالبا إياه بالسكوت علي فساده, حتي لا يذهب الجميع في داهية, وكل ما يجيده هو النواح علي فقد ويفقد, وربنا يرحم الجميع.