ما أجمل أن يتشبه المسلم بالملائكة الكرام في انقطاعهم لعبادة الله فيحبس نفسه علي طاعة الله تاركا الدنيا وشهواتها واقفا علي باب ربه طالبا عفوه وغفرانه والعتق من نيرانه ولا يوفرذلك إلا الاعتكاف فهو فرصة ذهبية للخلوة بالله تعالي والتفرغ لعبادته والخروج من جو الدنيا بمتطلباتها ومسئوليتها إلي رحاب الله تعالي وهو فرصة تتيح للمسلم أن يلتقي بنفسه فيتأمل فيها مفتشا في خباياها وزواياها عن جوانب النقص والخلل ليكملها ويصلحها قال ابن القيم- رحمه الله- مبينا المقصود من الاعتكاف: وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب علي الله تعالي, وجمعيته عليه, والخلوة به عن الاشتغال بالخلق, والاشتغال به وحده سبحانه; بحيث يصير ذكره, وحبه, والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته; فيستولي عليه بدلها, ويصير الهم كله به, والخطرات كلها بذكره, والتفكر في تحصيل مراضيه, وما يقرب منه; فيصير أنسه بالله بدلا عن أنسه بالخلق; فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له, ولا ما يفرح به سواه; فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم والاعتكاف معناه اللبث في المسجد بنية مخصوصة لطاعة الله تعالي وهو من السنن الثابتة بكتاب الله وبسنة رسوله صلي الله عليه وسلم يقول الله تعالي: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد البقرة:187, وواظب عليه النبي صلي الله عليه وسلم فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلي الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما رواه البخاري, ويتحقق الاعتكاف بالمكث في المسجد مع نية الاعتكاف طال الوقت أم قصر حتي ولو لحظة; ويثاب ما بقي في المسجد, فإذا خرج منه ثم عاد إليه جدد النية إن قصد الاعتكاف, فعن يعلي بن أمية قال: إني لأمكث في المسجد ساعة ما أمكث إلا لأعتكف وللمسلم أن يجمع بين عمله واعتكافه; فيكون اعتكافه ليلا وعمله نهارا وللمرأة أن تعتكف بإذن زوجها وقد استأذنت عائشة رضي الله عنها النبي صلي الله عليه وسلم للاعتكاف فأذن لها فلتحرص أيها المسلم علي استثمار هذه الأيام المباركة في طاعة الله وإياك أن تنشغل بغيرها فتضيع علي نفسك خيرا كبيرا.