أريد للانتخابات أن تكون حاسمة وتضع نهاية لتخبط تعيشه بريطانيا منذ سبع سنوات, فإذا بها تطيل أمد الكابوس, وتفشل في رسم خريطة طريق في مرحلة بالغة الحرج في تاريخ البلاد الحديث. لم يفز المحافظون ليس فقط لأنهم لم يحصلوا علي الأغلبية الحاسمة التي كانت هدف زعيمتهم تريزا ماي من الدعوة للانتخابات المبكرة, بل لأنهم خسروا الأغلبية البسيطة السابقة, وتراجع عدد مقاعدهم إلي318, بما يقل عن الأغلبية المطلوبة ب7 مقاعد. ولم ينتصر العمال, أكبر أحزاب المعارضة. فرغم أنه زاد مقاعده إلي262 علي حساب المحافظين, ورسخ زعيمه جيرمي كوربين مكانته بعد أن أثبت للجميع, بمن فيهم كثيرون داخل حزبه, خطأ استخفافهم بقدراته, فإنه يظل في المعارضة, علي الأقل حتي إشعار آخر. وبدلا من حصول ماي, كما سعت, علي تفويض شعبي واضح يضمن قيادة قوية مستقرة, وجدت نفسها مضطرة لأن تشكل حكومة أقلية أو الدخول في تحالف غير مأمون العواقب مع أحزاب صغري, يستطيع العمال وحلفاؤهم إسقاطه بسهولة في أول مواجهة بالبرلمان. وهذا آخر ما يمكن أن ينقذ بريطانيا في الظرف الحالي. فالبلاد تتأهب للدخول, بعد أيام, في مفاوضات مصيرية مع الاتحاد الأوروبي بشأن شروط الطلاق بريكست, وهي في أمس الحاجة إلي حكومة قوية مستقرة تملك تفويضا شعبيا واضحا لضمان أفضل صفقة. تقول ماي إنها تنوي تشكيل حكومة يمكنها أن توفر حالة من اليقين وتقود بريطانيا للامام في هذا الوقت الحرج. تجارب بريطانيا مع حكومات كتلك التي تسعي ماي لتشكيلها تقول إنها لا تعيش طويلا, مما يعزز الخوف الجارف من أن يكون اليقين المأمول بعيد المنال, ومن أن, بريطانيا, الدولة الكبري صاحبة خامس أكبر اقتصاد في العالم, سوف تظل في حالة فوضي سياسية وتيه, قد يستمران طويلا. ليست تلك فوضي سياسية فقط. فنتيجة انتخابات الخميس العظيم تكشف, بوضوح, أن الشعب هو الآخر حائر تائه محبط بسبب افتقاد أي حزب سياسي إلي رؤية مقنعة قادرة علي جمع الناس حولها. فبعد7 سنوات من التقشف بهدف التوفير وخفض العجز في الميزانية وتقليل الديون, لا يزال الناس يعانون من تدهور في مستوي المعيشة والخدمات. وعندما قرر الشعب مغادرة الاتحاد الأوروبي, آملا أن يكون المخرج من أزمات البلاد, لم يكن لدي المحافظين خريطة وخطة واضحة الملامح, مقنعة للناس, للخروج بسلام دون تحمل تبعات الطلاق المؤلمة. وجاءت سلسلة الهجمات الإرهابية السابقة علي الانتخابات, لتؤكد للناس أن المحافظين لا يشعرون بمشاكلهم, فأصروا علي التقشف الذي أتي حتي علي الشرطة, التي اضطرت للاستغناء عن20 ألف شخص, وأجهزة الأمن. فضرب أمن البلاد في مقتل. ولم يبق لدي البريطانيين وازع لتلبية طلب ماي الحصول علي تفويض جديد.. فعجز الميزانية لم يسد, وخدمات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية تدهورت, والأمن فقد. وفشل حزب العمال, علي عكس المتوقع في مثل هذه الظروف, في انتهاز الفرصة والاتحاد لتقديم بديل. وكثرت الخلافات بسبب إصرار كوربين علي تحدي المؤسسات السياسية القديمة البعيدة عن الناس. وعمل كثيرون, من أمثال رجال توني بلير زعيم الحزب ورئيس الوزراء السابق, جاهدين علي إفشال مشروع كوربين القائم علي النزول إلي الناس ومعايشة همومهم والعودة إلي مبدأ تدخل الدولة كي تحمي حقوق الأغلبية ولا تخدم مصلحة القلة. ورغم فوز كوربين في جولتين من الصراع علي الزعامة, والتفاف الشباب حوله لم ينته الصراع. ودأب معارضوه, المؤمنون بأنه لا يمكن تحدي الدولة القديمة, علي السخرية منه باعتباره ناشطا سياسيا غير مؤهل لزعامة الحزب وخطيبا سياسيا لا يملك أسباب الفوز في أي انتخابات. وكانت حالة حزب العمال هذه أحد الأسباب الرئيسية التي شجعت ماي علي الدعوة للانتخابات المبكرة, التي أوصلت البلاد إلي هذا الحال. وكشفت استراتيجية وقدرات كوربين, الذي رفع عدد مقاعد الحزب في البرلمان بهذا القدر لأول مرة منذ1997, خطأ معارضيه, غير أنهم لم يدركوا الخطأ إلا بعد فوات الأوان. فلم يستطع الحزب تحقيق الاغلبية للعودة إلي السلطة. في أحد تعليقاته علي نتائج الانتخابات, يقول كوربين إن السياسة في بريطانيا قد تغيرت إلي الأبد, ولا يمكن أن تعود إلي سابق عهدها. وعندما واجهت الشعب, من أمام مقرها في10 داوننج ستريت عقب لقاء الملكة الذي طلبت فيه تشكيل حكومة, تحدثت عن تحالف بين المحافظين والحزب الاتحادي الديمقراطي( في أيرلندا الشمالية) لتشكيل حكومة جديدة. وهذا التحالف سوف يسمح, كما تقول ماي, بأن تتكاتف البلاد وتوجيه الطاقات باتجاه بريكست ناجح يخدم مصالح الجميع في هذه البلاد. تلك أمانيها التي لا توجد, الآن, مؤشرات علي أنها سوف تتحقق.