بعد القبض على قاتل مهندس الكيمياء النووية.. مصطفى بكري: وزير الداخلية يعمل في صمت    وزير الأوقاف: بنك المعرفة المصري أداة لتمكين الأئمة ودعم البحث العلمي الدعوي    وزير الإسكان يتابع أخر مستجدات مشروعات التي تنفذها المقاولون العرب في "حياة كريمة"    محافظ القاهرة يدعو المستثمرين ب شق الثعبان لسرعة استكمال اجراءات التقنين    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بأوامر الرقابة المالية.. حسام هنداوي ملزم بترك رئاسة شركة الأولى بسبب أحكام قضائية    مساعد وزير الإسكان يبحث مع الجانب الألماني أوجه التعاون المشترك    الاحتلال يصعد قصفه لشرق وجنوب قطاع غزة وسط أزمة إنسانية متفاقمة    المجلس الوطني الفلسطيني: قوات الجيش الإسرائيلي لا تزال موجودة على 54% من مساحة قطاع غزة    وزير الخارجية الأمريكي يكشف نفاد خيارات العقوبات على روسيا.. ماذا قال؟    قضية زيزو.. تطورات مدافع الزمالك.. بيراميدز أفضل نادٍ.. وصلاح يوزع قميصه| نشرة الرياضة ½ اليوم    إصابة 8 أشخاص إثر إنقلاب ميكروباص بالبحيرة    ننشر رابط التسجيل الالكتروني للتقدم ل امتحانات «أبناؤنا في الخارج» 2026    السجن المشدد 10 سنوات لبائع خضروات بتهمة قتل مسنة بقنا    حسين فهمى يشيد بجهود «الإنتاج الإعلامي» في ترميم كنوز السينما المصرية    «مش بتحب الخنقة والكبت».. 3 أبراج الأكثر احتمالًا للانفصال المبكر    جلسة حوارية حول النموذج التحويلي للرعاية الصحية الأولية في مصر    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    إعلان موعد خروج الفنان محمد صبحي من المستشفى    شاهدها الآن ⚽ ⛹️ (0-0) بث مباشر الآن مباراة العراق ضد الإمارات في ملحق آسيا لكأس العالم 2026    إخماد حريق شب في عقار بالفيوم    اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني والدعم السريع غرب كردفان.. فيديو    مسيرة إسرائيلية تقصف سيارة وقت ذروة خروج طلاب المدارس في جنوب لبنان    رئيس مجلس الشيوخ: صدور قانون الإجراءات الجنائية خطوة تشريعية تاريخية    المركز الإعلامي لمجلس الوزراء: أكثر من 700 مادة إعلامية نُشرت حول افتتاح المتحف المصري الكبير في 215 وسيلة إعلامية دولية كبرى    مدير تعليم الشرابية يشيد بمبادرة "بقِيمِنا تحلو أيّامُنا"    الصحة: مصر حققت تقدما ملحوظا في تقوية نظم الترصد للأوبئة    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    بروتوكول الممر الموحش    سر رفض إدارة الكرة بالزمالك لتشكيل اللجنة الفنية    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    القسام تستأنف البحث عن جثث جنود الاحتلال    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    محافظ الغربية: كل شكوى تصلنا نتعامل معها فورا.. ومتفاعلون مع مطالب المواطنين    4 ديسمبر.. بدء تلقي طلبات الترشح لانتخابات نقابة الأطباء البيطريين وفرعية قنا لعام 2026    «الكوسة ب10».. أسعار الخضار اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 في أسواق المنيا    ليفاندوفسكي على رادار ميلان وفنربخشة بعد رحلته مع برشلونة    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    في قلب الشارع.. قتل مهندس كيمياء نووية مصري ب13 رصاصة في الإسكندرية    الغنام: إنشاء المخيم ال17 لإيواء الأسر الفلسطينية ضمن الجهود المصرية لدعم غزة    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    رئيس جامعة قناة السويس يكرّم الفائزين بجائزة الأداء المتميز عن أكتوبر 2025    الدوسري خلال «خطبة الاستسقاء»: ما حُبس القطر من السماء إلا بسبب تقصير الناس في فعل الطاعات والعبادات    متحدث الأوقاف: مبادرة صحح مفاهيمك دعوة لإحياء المودة والرحمة داخل الأسرة والمجتمع    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    ندب قضاة ومنفعة عامة.. قرارات جديدة لرئيس الوزراء    الوزير: مصر مستعدة للتعاون مع الهند بمجالات الموانئ والنقل البحري والمناطق اللوجستية    ضبط 5 أشخاص أثناء التنقيب عن الآثار داخل عقار بالمطرية    إيطاليا تواجه مولدوفا في اختبار سهل بتصفيات كأس العالم 2026    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    المصرية للاتصالات: تحسن التدفقات النقدية الحرة يعكس قوة الأداء المالى    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 13نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    فيفي عبده تبارك ل مي عز الدين زواجها.. والأخيرة ترد: «الله يبارك فيكي يا ماما»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحياء علوم الدين
في ثقافة الإسلام الرفيعة

درجات قراءة القرآن ثلاث, أدناها أن يقدر العبد كأنه يقرؤه علي الله عز وجل واقفا بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع منه فيكون حاله عند هذا التقدير السؤال والتملق والتضرع والابتهال
. الثانية أن يشهد بقلبه كأن الله عز وجل يراه ويخاطبه بألطافه ويناجيه بإنعامه وإحسانه فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم. الثالثة أن يري في الكلام المتكلم وفي الكلمات الصفات فلا ينظر الي نفسه ولا الي قراءته ولا الي تعلق الإنعام به من حيث إنه منعم عليه بل يكون مقصورا لهم علي المتكلم موقوف الفكر عليه كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم عن غيره. وهذه درجة المقربين وما قبله درجة أصحاب اليمين وما خرج عن ذلك فهو درجات الغافلين.
هذه الكلمات من كتاب آداب تلاوة القرآن من كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي الذي وصفه إبن خلكان بقوله: من أنفس الكتب وأجمعها. سنتعرض لهذا السفر النفيس عبر شهر رمضان المعظم.
استمرارا في مراجعة كتاب مؤلفات الغزالي لعبد الرحمن بدوي, الذي تعرضنا له في العدد9519, الأهرام المسائي, السبت20 مايو, نستكمل اليوم مراجعة هذا الكتاب الجامع. يرصد الدكتور بدوي عدد المخطوطات الموجودة عن كتاب الإحياء الموجودة في كل مكتبات العالم والتي يبلغ عددها109 مخطوطات, منها في مصر سبع في دار الكتب المصرية وثمان بالأزهر.
تم طبع الكتاب أربع مرات في مطبعة بولاق بالقاهرة: سنة1269 هجرية,1279 هجرية,1282 هجرية,1289 هجرية. كما طبع12 مرة في القاهرة في مطابع أخري في السنوات الهجرية:1352,1348,1346,1334,1327,1326,1321,1316,1312,1306,1303,.1357 كما نشر الدكتور بدوي الكتب النقدية المختلفة للإحياء ومنها كتب للمرتضي وجلال الدين السيوطي وأبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي وابن تيمية وغيرهم كثيرين. كما قدم الدكتور بدوي الكتب الشارحة للإحياء وكذلك التلخيصات والترجمات المختلفة الي اللغات العالمية ومنها الألمانية والفرنسية والأوردية والفارسية والأسبانية والتركية والهولندية والإنجليزية وغيرها.
يقول الغزالي في مقدمته للإحياء: رأيت الاشتغال بتحرير هذا الكتاب مهما, إحياء علوم الدين, وكشفا عن مناهج الائمة المتقدمين, وإيضاحا لمبهم العلوم النافعة... وقد أسسته علي أربع أرباع وهي: ربع العبادات, وربع العادات, وربع المهلكات, وربع المنجيات. وصدرت الجملة بكتاب العلم لأنه غاية وأن طلب العلم فريضة علي كل مسلم, وأميز فيه العلم النافع من الضار, وأحقق ميل أهل العصر عن شاكلة الصواب, وانخداعهم بلامع السراب, واقتناعهم من العلوم بالقشر عن اللباب. وطبقا لما أورده عبد الرحمن بدوي في كتابه وفقا لطبعة الإحياء الصادرة سنة1326 هجرية بالقاهرة, تكون أقسام الإحياء كما أوردها الغزالي علي أربعة أرباع كالآتي:
الأول( ربع العبادات):
كتاب العلم, وكتاب قواعد العقائد, كتاب أسرار الطهارة, وكتاب أسرار الصلاة ومهماتها, وكتاب أسرار الزكاة, وكتاب أسرار الصوم, كتاب أسرار الحج, وكتاب آداب تلاوة القرآن, كتاب الأذكار والدعوات, كتاب ترتيب الأوراد وتفصيل إحياء الليل.
الثاني( ربع العادات):
كتاب آداب الأكل, وكتاب آداب النكاح, وكتاب آداب الكسب والمعاش, وكتاب الحلال والحرام, وكتاب آداب الألفة والأخوة والصحبة, كتاب آداب العزلة, كتاب آداب السفر, كتاب آداب السمع والوجد, كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة.
الثالث( ربع المهلكات):
كتاب شرح عجائب القلب, وكتاب رياضة النفس وتهذيب الأخلاق, كتاب آفة الشهوتين: شهوة البطن وشهوة الفرج, وكتاب آفات اللسان, وكتاب آفات الغضب والحقد والحسد, كتاب ذم الدنيا, كتاب ذم البخل وذم حب المال, وكتاب ذم الجاه والرياء, كتاب ذم الكبر والعجب, وكتاب ذم الغرور.
الرابع( ربع المنجيات):
كتاب التوبة, وكتاب الصبر والشكر, كتاب الخوف والرجاء, وكتاب الفقر والزهد, كتاب التوحيد والتوكل, كتاب المحبة والشوق والأنس والرضا, كتاب النية والصدق والإخلاص, كتاب المراقبة والمحاسبة, كتاب التفكر, كتاب ذكر الموت وما بعده.
يعتبر كتاب الإحياء هو الأهم والأشهر للإمام الغزالي, ومن أجل هذا نال كثيرا من النقد والتمحيص والثناء عبر العصور من لحظة كتابته. يقول عبد الغفار الفارسي: إنه من التصانيف المشهورة التي لم يسبق الغزالي إليها أحد. ويقول عبد الرحمن العراقي: إنه من أجل كتب الإسلام في معرفة الحلال والحرام, جمع فيه بين ظواهر الأحكام, ونزع الي سرائر دقت عن الأفهام, لم يقتصر فيه علي مجرد الفروع والمسائل, ولم يتبحر في اللجة بحيث يتعذر الرجوع الي الساحل, بل مزج فيه علمي الظاهر والباطن, ومرج معانيها في أحسن المواطن, وسلك فيه من النمط أوسطه, مقتديا بقول علي كرم الله وجهه: خير هذه الأمة النمط الأوسط يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي.
يقول الغزالي في آداب المتعلم والمعلم:
أما المتعلم فآدابه ووظائفه الظاهرة فكثيرة منها:
تقديم طهارة النفس عن رذائل الأخلاق ومذموم الأوصاف.. وكما لا تصح الصلاة التي هي وظيفة الجوارح الظاهرة إلا بتطهير الظاهر عن الأحداث والأخباث فكذلك لا تصح عبادة الباطن وعمارة القلب بالعلم إلا بعد طهارته عن خبائث الأخلاق وأنجاس الأوصاف, والنجاسة عبارة عما يجتنب ويطلب البعد عنه وخبائث صفات الباطن أهم بالاجتناب فإنها من خبثها في الحال مهلكات في المآل. وأعلم أن القلب المشحون بالغضب والشره الي الدنيا والتكالب عليها والحرص علي التمزيق لأعراض الناس كلب في المعني وقلب في الصورة. ومنها ألا يتكبر علي العلم ولا يتآمر علي معلم بل يلقي إليه زمام أمره بالكلية. ومنها أن يحترز الخائض في العلم في مبدأ الأمر عن الإصغاء الي اختلاف الناس, سواء كان ما خاض فيه من علوم الدنيا أو من علوم الآخرة. ومنها ألا يدع طالب العلم فنا من العلوم المحمودة ولا نوعا من أنواعه إلا وينظر فيه نظرا يطلع به علي مقصده وغايته. ومنها ألا يخوض في فن حتي يستوفي الفن الذي قبله, فإن العلوم مرتبة ترتيبا ضروريا وبعضها طريق الي بعض, والموفق من راعي ذلك الترتيب والتدريج. ومنها أن يعرف السبب الذي به يدرك أشرف العلوم. ومنه أن يكون قصد المتعلم في الحال تحلية باطنه وتجميله بالفضيلة وفي المآل القرب من الله, ولا يقصد به الرياسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ومباهاة الأقران. يشمل كتاب العلم في الإحياء سبعة أبواب: الباب الأول في فضل العلم والتعليم والتعلم وشواهده من النقل والعقل. الباب الثاني في العلم المحمود والمذموم وأقسامهما وأحكامهما. الباب الثالث فيما يعده العامة من العلوم المحمودة وليس منها. الباب الرابع في سبب إقبال الخلق علي علم الخلاف وتفصيل آفات المناظرة والجدل وشروط إباحتها. الباب الخامس في آداب المتعلم والمعلم. الباب السادس في آفات العلم. الباب السابع في العقل وشرفه وحقيقته وأقسامه.
يلي كتاب العلم كتاب قواعد العقائد ويشمل: عقيدة أهل السنة, وترتيب درجات الاعتقاد, لوامع الأدلة للعقيدة.
يلي ذلك كتاب أسرار الطهارة, ويشمل: طهارة الخبث والنظر فيه يتعلق بالمزال والمزال به والإزالة, في كيفية الإزالة. يلي ذلك كتاب أسرار الصلاة ومهماتها. يقول الإمام الغزالي في بيان المعاني الباطنة التي تتم لها حياة الصلاة: يجمعها حضور القلب والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء. حضور القلب ونعني به أن يفرغ القلب عن غير ما هو ملابس له ومتكلم به, فيكون العلم بالفعل والقول مقرونا بهما, ولا يكون الفكر جائلا في غيرهما, ومهما ينصرف في الفكر عن غير ما هو فيه وكان في قلبه ذكر لما هو فيه ولم يكن فيه غفلة عن كل شيء فقد حصل حضور القلب.. وهذا مقام يتفاوت الناس فيه إذ ليس يشترك الناس في تفهم المعاني للقرآن والتسبيحات. وكم من معان لطيفة يفهمها المصلي في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه ذلك قبلا؟, ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر, فإنها تفهم أمورا, تلك الأمور تمنع عن الفحشاء لا محالة. وأما التعظيم فهو وراء حضور القلب والفهم إذ الرجل يخاطب عبده بكلام هو حاضر القلب فيه ومتفهم لمعناه ولا يكون معظما له فالتعظيم زائد عليهما. وأما الهيبة فزائدة علي التعظيم بل هي عبارة عن خوف منشؤه التعظيم لأن من يخاف لا يسمي هائبا, الخوف من السلطان المعظم يسمي مهابة, والهيبة خوف مصدرها الإجلال. وأما الرجال فلا شك أنه زائد.. والعبد ينبغي أن يكون راجيا بصلاته ثواب الله عز وجل كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله عز وجل, وأما الحياء فهو زائد علي الجملة لأن مستنده استشعار تقصير وتوهم ذنب.
يمدنا الغزالي ببيان الدواء النافع في حضور القلب فيقول: اعلم أن المؤمن لا بد أن يكون معظما لله عز وجل وخائفا منه وراجيا له ومستحييا عن تقصيره فلا ينفك عن هذه الأحوال بعد إيمانه, وإن كانت قوتها بقدر قوة يقينه فانفكاكه عنها في الصلاة لا سبب له إلا تفرق الفكر وتقسيم الخاطر وغيبة القلب عن المناجاة والغفلة عن الصلاة. ولا ينهي عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة, فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر ولا يدفع الشيء إلا بدفع سببه فلتعلم سببه. وسبب موارد الخواطر إما أن يكون أمرا خارجا أو أمرا في ذاته باطنا. أما الخارج فمما يقرع السمع أو يظهر للبصر فإن ذلك قد يختطف الهم حتي يتبعه ويتصرف فيه ثم تنجر منه الفكرة الي غيره ويتسلسل, ويكون الإبصار سببا للافتكار, ثم تصير بعض تلك الأفكار سببا للبعض. ومن قويت نيته وعلت همته لم يلهه ما جري علي حواسه ولكن الضعيف لا بد وأن يتفرق به فكره. وعلاجه قطع هذه الأسباب بأن يغض بصره.
يتطرق الغزالي بعد ذلك الي كتاب أسرار الزكاة وأنواعها, وأدائها وشروطه الباطنة والظاهرة, وبيان دقائق الآداب الباطنة في الزكاه وعن ذلك يقول: اعلم أن علي مريد طريق الآخرة وظائف. الوظيفة الأولي: فهم وجوب الزكاة ومعناها ووجه الامتحان فيها وأنها جعلت من مباني الإسلام مع أنها تصرف مالي وليست من عبادة الأبدان.. فالزكاة طهر أي تطهر صاحبها عن خبث البخل, وإنما طهارته بقدر بذله وقدر فرحه بإخراجه واستبشاره بصرفه علي الله تعالي, ولها معني آخر وهو شكر النعمة فإن لله عز وجل علي عبده نعمة في نفسه وفي ماله, فالعبادات البدنية شكرا لنعمة البدن, والمالية شكرا لنعمة المال.. وأن لا يفسد المسلم صدقته بالمن والأذي. المن أن يذكرها والأذي أن يعير الفقير بفقره, وأن يستصغر العطية,إن استعظمها أعجب بها والعجب من المهلكات, وأن ينتقي من ماله أجوده وأحبه إليه وأجله وأطيبه فإن الله تعالي طيب لا يقبل إلا طيبا.
ينتقل بعد ذلك الي كتاب أسرار الصوم وواجباته وسننه الظاهرة واللوازم بإفساده. يقول الغزالي في أسرار الصوم وشروطه الباطنة: أعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص. أما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة. وأما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية عما سوي الله عز وجل بالكلية, ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوي الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين, فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتي قال أرباب القلوب: من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود, وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين. يلي ذلك كتاب أسرار الحج وفضائله وفضيلة البيت ومكة والمدينة وشروط وجوب الحج وصحة أركانه وواجباته ومحظوراته, وفي ترتيب الأعمال الظاهرة من أول السفر الي الرجوع, وعن ذلك يقول: ينبغي أن يبدأ الحاج بالتوبة ورد المظالم وقضاء الديون وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته الي وقت الرجوع ويرد ما عنده من الودائع. ويستصحب من المال الحلال الطيب ما يكفيه لذهابه وإيابه من غير تقتير بل علي وجه يمكنه معه التوسع في الزاد والرفق بالضعفاء والفقراء. ويتصدق بشيء قبل خروجه. ينبغي أن يلتمس رفيقا صالحا محبا للخير معينا عليه إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه وإن جبن شجعه وإن عجز قواه وإن ضاق صدره صبره. ويودع رفقاءه المقيمين وإخوانه وجيرانه فيودعهم ويلتمس أدعيتهم فإن الله جاعل في أدعيتهم خيرا.
يلي ذلك كتاب آداب تلاوة القرآن وفي فضل القرآن وأهله وذم المقصرين في تلاوته, وفي ذم تلاوة الغافلين, وفي ظاهر آداب التلاوة حيث يقول: أن يكون الذي يتلو علي الوضوء واقفا علي هيئة الأدب والسكون إما قائما وإما جالسا مستقبل القبلة مطرقا رأسه غير متربع ولا متكئ ولا جالس علي هيئة التكبر. ويكون جلوسه وحده كجلوسه بين يدي أستاذه. فإن قرأ علي غير وضوء وكان مضطجعا في الفراش فله أيضا فضل ولكنه دون ذلك. يشرح الغزالي الأعمال الباطنة في التلاوة فيقول: فهم أصل الكلام ثم التعظيم ثم حضور القلب ثم التدبر ثم التفهم ثم التخلي عن موانع الفهم ثم التخصيص ثم التأثر ثم الترقي ثم التبري. فالأول فهم عظمة الكلام وعلوه وفضل الله سبحانه وتعالي ولطفه بخلقه, والثاني التعظيم للمتكلم فالقارئ للقرآن عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر وإن في تلاوة كلام الله عز وجل غاية الخطر فإنه تعالي قال: لا يمسه إلا المطهرون, والثالث حضور القلب وترك حديث النفس, ففي القرآن ما يستأنس به القلب, الرابع هو التدبر وهو وراء حضور القلب فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر علي سماع القرآن من نفسه وهو لا يتدبره. والمقصود من القراءة التدبر. الخامس التفهم وهو أن يستوضح من كل آية ما يليق بها إذ القرآن يشتمل علي ذكر صفات الله عز وجل وذكر أفعاله وذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام وذكر أحوال المكذبين لهم وأنهم كيف أهلكواوذكر أوامره وزواجره وذكر الجنة والنار, والسادس هو التخلي عن موانع الفهم, فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب وحجب أسدلها الشيطان علي قلوبهم فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن. والسابع هو التخصيص وهوأن يقدر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن إن سمع أمرا أو نهيا قدر أنه هو المنهي والمأمور, وإن سمع وعدا أو وعيدا فكمثل ذلك, وإن سمع قصص الأنبياء والأولين علم أن السمر غير مقصود وإنما المقصود ليعتبر به وليأخذ من تضاعيفه ما يحتاج إليه. والثامن التأثر وهو أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حال ووجد يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغيره. والتاسع الترقي وهو أن يترقي الي أن يسمع الكلام من الله عز وجل لا من نفسه. والعاشر هو التبري وهوأن يتبرأ التالي من حوله وقوته والالتفات الي نفسه بين الرضا والتزكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.