فاجأنا البنك المركزي كالعادة برفع أسعار الفائدة علي الإيداع والإقراض ولكن يزول العجب اذا عرفنا أن ذلك جاء بناء علي طلب صندوق النقد الدولي, فقد طالب باتخاذ المزيد من الخطوات لمعالجة التضخم, فخلال اجتماعات الربيع بين الصندوق والبنك الدوليين بواشنطن ابريل الماضي, ادلت كرستين لاجارد مدير الصندوق بتصريحات قالت فيها:إن مصر بحاجة لاتخاذ المزيد من الخطوات لمعالجة مشكلة التضخم, والصندوق يعمل علي مساعدة الحكومة والبنك المركزي للسيطرة علي التضخم. ومن المعروف ان سبب التضخم الحالي بمصر يرجع لزيادة تكاليف الإنتاج السلعي والاستيراد, وليس لزيادة الطلب اي زيادة السيولة النقدية لدي الأفراد عن المعروض من السلع, فيتم تحميل المستهلك زيادة التكاليف في شكل زيادة في الأسعار, وقد حدث ذلك نتيجة للإصلاحات والإجراءات الهيكلية التي تم اتخاذها, بتحرير سعر الصرف وبدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة, وخفض دعم الوقود, ورفع الجمارك علي بعض السلع, وهو ما يعني أنه تضخم ناتج من ارتفاع التكلفة, وفي هذه الحالة لا تجدي السياسات النقدية كرفع سعر الفائدة في تخفيض مستويات التضخم. مبدئيا الدولة هي المتضرر الأكبر من رفع أسعار الفائدة, فقرار البنك المركزي يرفع سعر الإقراض الداخلي للحكومة لسد عجز الموازنة ليتجاوز ال20%, في عطاءات أذون وسندات الخزانة المقبلة, كما ان هذا القرار غير مناسب لرجال الأعمال, وسيؤدي لعزوف المستثمرين عن الاقتراض من البنوك, وزيادة تكلفة رأس المال المستثمر الأجنبي والمحلي, والذي يؤدي بدوره لزيادة تكلفة الإنتاج والمؤدي لارتفاع الأسعار وبالتالي مزيدا من التضخم, وقد يؤدي ذلك ايضا إلي الركود وتوقف النشاط الاقتصادي, والمستفيد الوحيد من تلك القرارات هو المستثمر الأجنبي الذي يستثمر في أذون الخزانة الحكومية وسنداتها, فهو يرغب في أرباح سريعة ومضمونة, وهي ما يطلق عليها الأموال الساخنة, لأنها تحصد الأرباح وتخرج سريعا, ولا تضخ في شرايين الاقتصاد أو في القطاع الصناعي, ولكن من ناحية أخري فلن تتأثر المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالقرار إذ سيظل معدل الإقراض عند معدله المحدد من قبل5% طبقا لمبادرة البنك المركزي. ومن المعروف ان رأس المال جبان, بمعني انه يبحث عن أعلي فائدة لأمواله مقابل أدني مستويات المخاطر, لذا فما الذي سيدفع اي مستثمر للمغامرة بنقوده والدخول في مشروعات جديدة قد تفيد الاقتصاد القومي وتخفض من مستويات البطالة, الا انه يتحمل معها مخاطر ومشاكل كثيرة.. وتدبير المواد الخام لمصنعه ومشاكل عمليات التصنيع ثم التسويق أو التصدير ثم محاسبة ضريبية سنوية, إذا كان يمكنه ان يجني ربحا مضمونا وبلا ادني تكاليف او مستوي للمخاطر اذا ما اودع نقوده في البنك لتدر عليه عائدا مضمونا ثابتا ومعفي من الضرائب. الظن انها قرارات جانبها الصواب وسيدفع المواطن المصري تبعات جسيمة لها, ولن تفيد الاقتصاد القومي شيئا, فليس كل توصيات صندوق النقد الدولي بالقرارات الصائبة, فدول كثيرة اخذت بها وعانت الأمرين من جرائها, وأخري رفضتها كلية واعتمدت علي إمكاناتها الذاتية بمزيد من السياسات الاقتصادية المشجعة علي زيادة الاستثمار المحلي والاجنبي, منها مثلا خفض الضرائب أو الإعفاء منها لسنوات معينة للمشروعات الجادة وتمليك الأراضي في المجتمعات الصناعية الجديدة بأسعار هامشية لمن يبني مصنعا منتجا عليها, اعادة تشغيل المصانع المغلقة, وفرض ضرائب تصاعدية وتشجيع التعليم الفني بمستويات جيدة لتغذية تلك الصناعات بعمال وفنيين مهرة, والتشجيع علي إقامة شركات لاستصلاح الأراضي وزراعتها لتغطية الطلب المحلي والتصدير, اقامة مناطق حرة عالمية خاصة, منع استيراد السلع الاستفزازية, الامر الذي يعمل علي تشجيع الاستثمار.