لحظات من التفاؤل وسنوات من خيبة الأمل..هكذا يمكن اختصار موسم الانتخابات الإيرانية من دورة إلي أخري. ففي ظل الولاية المطلقة للمرشد الأعلي علي السياسات الإيرانية قد يكون الحديث عن الانتخابات في إيران مدعاة للإحباط; فالعملية برمتها وتفاعلاتها ونتائجها تبدو كما لو كانت آلية لتبادل الأدوار بين جناحين من السلطة ليس بينهما خلاف علي ثوابت الثورة ومبادئها, أو بمعني أدق منافسة مغلقة بين الموالين لذات المبادئ. ورغم أن هذا يعزز وجهة نظر البعض في أن أربعة عقود من الانتخابات الرئاسية لم يكن لها تأثير علي أي من السياسات الداخلية أو الخارجية الإيرانية, لكن لا يمنع هذا آخرين من محاولة فهم الانتخابات من زاوية أخري. لاشك أن أهم ما في أي انتخابات هي نتائجها, من فاز؟..هو السؤال الرئيسي المطروح. لكن في الحالة الإيرانية لماذا فاز؟..يبدو سياسيا ومستقبليا هو السؤال الأهم بعد أربعين عاما من الثورة. في الواقع كانت المؤشرات متأرجحة بما لا يسمح بتأكيد نجاح روحاني في تجديد ولايته لفترة رئاسية ثانية, فروحاني لم يتمكن من تحقيق وعوده التي قطعها علي نفسه خلال الولاية الرئاسية الأولي له, فرغم إبرام الاتفاق النووي لكن الأوضاع الاقتصادية لم تشهد تحسنا ملموسا لا سيما علي المستوي الشعبي, فمازالت مؤشرات التضخم مرتفعة, ونسبة البطالة أيضا مرتفعة, ورغم الاستثمارات الضخمة في قطاع النفط بعد توقيع الاتفاق النووي فإنها لم تولد فرص عمل جديدة, كما أن معدل النمو قد انخفض إلي6%, بل مازالت العقوبات الأمريكية حائلا دون تدفق الأعمال التجارية والاستثمارات الأجنبية بصورة قانونية وشرعية. في مقابل ذلك فإن رئيسي هو مرشح النظام ومعبر عن تياره الراديكالي القابض علي السلطة والمتحكم فيها, وفوق كل ذلك هو مرشح علي خامنئي المرشد الأعلي للثورة, ويشرف الرجل علي مؤسسة منظمة آستان قدس رضوي الوقفية التي تقدر ثروتها بما يقارب100 مليار دولار خالية من الضرائب, ويتحكم من خلال هذه المؤسسة في مجالات مختلفة صناعية وأراض وإعلام فضلا عن توظيف آلاف من المواطنين. في ظل منافسة بدت متساوية داخل النظام المغلق اتجه الناخب الإيراني نحو روحاني, وهذا التوجه يمكن تفسيره من أكثر من زاوية فبداية لا يمكن تجاهل حضور السياسة كمؤثر علي السلوك التصويتي للناخبين, فروحاني في النهاية لديه رؤية شبه متماسكة داخلية وخارجية عززت موقفه, في حين يطرح رئيسي شعبوية اقتصادية ومحافظة دينية وسياسة خارجية انعزالية, وربما وهذا كان له أثر علي اتجاه السلوك التصويتي للناخب الإيراني نحو الإصلاحيين. من زاوية ثانية فإن المشاركة السياسية الكبيرة التي وصلت إلي72% عكست خوفا وقلقا شعبيا, فالمشاركة الواسعة كانت بمثابة انعكاس لمخاوف شعبية من نجاح رئيسي, الذي لديه سجل إنساني دموي, ويهدد حرية المجتمع برؤيته المحافظة, حيث يتهم كثيرا من الإيرانيين بالتخلي عن قيمهم الإسلامية. في هذا الإطار كانت المشاركة كثيفة من جانب المرأة الإيرانية, حيث حرصت علي الذهاب للجان الاقتراع وانتظرت لساعات طويلة للإدلاء بصوتها, وكان الاتجاه التصويتي للمرأة لصالح روحاني لان الرجل لديه مواقف إيجابية تجاه حقوق المرأة بعكس رئيسي صاحب التوجهات المتشددة. الواضح تماما من نجاح روحاني أنه استفاد من التصويت الاستبعادي لرئيسي, بما أسهم في نجاح روحاني, وهي المرة الأولي في تاريخ إيران منذ الثورة التي يفوز فيها المرشح الإصلاحي بدورتين متتاليتين, والحقيقة أن الجدير بالبحث هو تفصيل أكبر لسلوك الناخب الإيراني لمعرفة اتجاهاته وهل هي ضد رئيسي ذاته أم ضجر من المحافظين بصفة عامة, باعتبار ذلك عاملا مؤثرا في مستقبل النظام والدولة والثورة في إيران.