كانت فرنسا هي الخاسر الأكبر في الانتخابات الرئاسية حيث اختارت فرنسا الغاضبة من أحزابها ونخبتها إيمانويل ماكرون رئيسا لها مفضلة إياه علي منافسته مارين لوبن, وهو اختيار الضرورة فهو فاز بسبب ضعف منافسته المتمترسة خلف خطاب يميني انعزالي متشدد ومحاولات فرض التفرقة التي تريد تكريسها في البلاد والمجتمع, كلاهما أظهر مدي عمق الأزمة السياسية المستفحلة التي تعاني منها فرنسا الآن. فرغم كل الشعارات والصخب الإعلامي عن الرئيس الشاب(39 سنة), فإنه ليس سوي ابن المؤسسة التي كرستها النخب السياسية السائدة منذ أربعين عاما, وحتي لو قدم إعلاميا باعتباره يمثل خطا سياسيا جديدا, أو مستقلا, فهو في الحقيقة واحد من هذه النخب, وناتج من نواتج مؤسستها السياسية, وهو لا يعبر عن سخط الأغلبية الصامتة من الفرنسيين, التي لا تجد من يلتفت إلي همومها بين صفوف النخب والطبقة السياسية السائدة. وليس خلوا من المعني انه رئيس أقلية, لا يمثل أغلبية الفرنسيين علي رغم نسبة66% التي صوتت له. حيث إن12 مليون فرنسي امتنعوا أصلا عن الذهاب إلي مراكز الاقتراع, و4 ملايين آخرين صوتوا بالبطاقة البيضاء رفضا لماكرون ومنافسته لوبين معا. ووفق هذا التقدير, وبخصم عدد ال16 مليونا, يكون ماكرون قد حصل فقط علي نسبة43.6% من أصوات الناخبين المسجلين.. الأدهي أنه معرض ألا يحصل علي اغلبية وازنة في الانتخابات التشريعية في الشهر القادم مما سيضعف مؤسسة الرئاسة الفرنسية في الجمهورية الخامسة التي منذ بدايتها سنة1958 لم يكن منصب رئاسة الجمهورية موقعا مفتاحيا لكل المنظومة الدستورية, وإنما ظل أيضا هو منصب الإرتكاز الأكثر قوة ونفوذا في الحياة السياسية ككل. فالرئيس في الجمهورية الخامسة الفرنسية يمسك بيديه من السلطات والصلاحيات ما لا مثيل له في أي نظام حكم ديمقراطي آخر في العالم. وهذه خصوصية سياسية فرنسية, أخذت تترنح الآن, وهي برسم التقلص مع مرور الوقت. فالمواطنون الفرنسيون يتمسكون بممارسة كل ما يتيحه لهم النظام الديمقراطي من وسائل لاختيار رئيسهم, بقدر تمسكهم بما يتيحه هذا النظام لهم أيضا لإسقاطه. ومع تعاظم أهمية الإنتخابات التشريعية بات المواطنون يمارسون أيضا تأثيرا متعاظما وها هو منصب الرئيس الفرنسي, الذي كان بمثابة ملك غير متوج, يجد نفسه تحت قبضة الديمقراطية الشعبية, وبحسب ما يكون عليه المزاج الشعبي من حال. وزاد الموقف الرئاسي والسياسي تعقيدا ظاهرة المساكنة السياسية شبه الإجبارية, إذ منذ عهد الرئيس الأسبق جورج بومبيدو بات كل رئيس فرنسي مضطرا لقبول هذه المساكنة مع منافسيه السياسيين, من قبيل تلك التي جمعت ميتران مع شيراك مثلا, ولذا فلا خيار آخر أمام الرئيس الشاب سوي التكيف مع هذا الإقتطاع من سلطته الرئاسية وقبول المشاركة مع غيره, وإلا فالبديل هو عدم الفوز بولاية رئاسية ثانية كحال ديستان وساركوزي, أو الاضطرار للتخلي عن الترشح لفترة رئاسية ثانية كما أولاند. ليس من المتوقع فوز الرئيس وائتلافاته الهشة بالفوز في الانتخابات التشريعية ومن ثم سيكون بطة عرجاء في ظل هذا المزاج الثوري الفرنسي هو ما يسكن الفرنسيين, فهم إما ملكيون يريدون تصفية الملك, أو بونابرتيون منتفضون ضد الإمبراطور. حيث تواجه فرنسا قضايا عديدة, مثل التمييز ضد المهاجرين واللاجئين, والبطالة التي تبلغ نسبتها نحو25% بين الشباب, وإعادة بناء الاقتصاد المحلي. وهناك مشكلة أخري وهي الهجمات الإرهابية من قبل الشباب الذين تأثروا بالتطرف الداعشي والقاعدي.