في مساء الخميس الماضي, كانت واشنطن وكأنها تشهد نصرا مشابها لنصر الحرب العالمية الثانية في أروقة البرلمان وفي البيت الأبض وغيرهما. كان الرابع من مايو نصرا مبينا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب, هو الأكبر بالنسبة له وللحزب الجمهوري. صوت البرلمان الأمريكي علي إلغاء قانون التأمين الصحي المعروف بأوباما كير والذي أصبح قانونا في23 مارس2011, إبان فترة الرئيس السابق باراك أوباما. هذا القانون كان يمثل الموروث الأهم للرئيس السابق أوباما. كان يستفيد منه قرابة22 مليون أمريكي لا يقدرون علي التأمين الصحي الباهظ التكاليف في الولاياتالمتحدة والذي لا يقدر عليه إلا الذين يعملون في وظائف كبيرة والقادرون ماديا, كما أنها كانت تمنح أي أسرة ذات دخل سنوي أقل من31 ألف دولار تأمينا صحيا مجانيا. ولما كانت مبادئ الحزب الجمهوري تتعارض مع قيام الدولة بدفع قيمة ذلك التأمين, فإن الحزب أخذ علي عاتقه منذ توقيع القانون ضرورة إلغاء أوباما كير وضرورة استبدالها بنظام صحي بديل مهما كانت الأسباب. لم يستطع الجمهوريون فعل ذلك في السبع سنين الماضية وبالضبط منذ2602 يوم تحقيق ذلك النصر. عندما جاء ترامب للحكم, كان أول أمر رئاسي له هو البدأ فورا في إلغاء أوباما كير. لم يكن الأمر بالسهل, حيث شهدت العديد من الولايات سخطا شديدا من الناخبين ضد النواب وضد أعضاء الكونجرس الذين يمثلونهم, وتهديدهم بعدم التصويت لهم في الإنتخابات النيابية القادمة في2018, وهو الأمر الذي جعل أولئك النواب الجمهوريين يعلنونها صراحة أنهم لن يصوتوا مع حزبهم الجمهوري إذا ما عرض الأمر علي البرلمان, وهو ما حدث فعلا وتم سحب قانون إلغاء أوباما كير من عملية التصويت منذ قرابة شهرين, وكانت هزيمة كبيرة للرئيس ترامب الذي وعد اتباعه مرارا وتكرارا بأنه سيلغيها مهما كلفه الأمر. لم يرض ترامب بالهزيمة وظل عاكفا كعادته علي تحقيق ما يريد بكل الطرق والأساليب. إستطاع خلال مدة قصيرة إقناع المعارضين وتغيير رأيهم رغم احتمالية سخط الذين إنتخبوهم وعدم انتخاب المرشحين منهم في انتخابات.2018 كانت لحظة الفوز عظيمة عقب التصويت علي القانون حيث وافق عليه217 عضوا وعارضه213 من217 نائبا والذي بات يعرف بترامب كير أو قانون ترامب للتأمين الصحي. ظل النواب الجمهوريون يغنون وكأنهم في حفل مدرسي من فرط النشوة, غير أن آلافا من المواطنين الأمريكيين كانوا خارج البرلمان يهتفون ضدهم ويصفونهم بالعار نتيجة تصويتهم علي إلغاء أوباما كير. وتبع ذلك ركوبهم أتوبيسات نقلتهم لحديقة الورود في البيت الأبيض حيث كان في انتظارهم الرئيس ترامب ونائبه, وكان حفلا مشهودا ونصرا كبيرا للرئيس الأمريكي, الذي خطب فيهم قائلا: سنحرز نصرا مؤزرا عندما نحصل علي موافقة الكونجرس. فوزنا اليوم وحد حزبنا الجمهوري. رغم الخسارة التي مني بها الحزب الديموقراطي, إلا أن الكثيرين من المحللين يجمعون علي أن ما حدث يمثل فرصة ذهبية للحزب الديموقراطي نتيجة عدم رضي الناخبين عما أصاب أوباما كيرونتيجة تعنت النواب الجمهوريين وإصرارهم علي إلغائها حتي ولو كان علي حساب الفقراء. في يوم الجمعة الماضي, صدر بيان عن الأطباء والمستشفيات وأصحاب شركات التأمين والعديد من مؤسسات حماية المستهلك يطالبون بضرورة تعديلات أساسية علي القنون الجديد الذي أطلق عليه ترامب كير. الأمل الوحيد للمعارضين الآن يكمن في رفض الكونجرس للقانون, حيث إن المطلوب موافقة60 عضوا من الكونجرس ليتم إلغاء أوباما كير بالكامل ولتحل محلها ترامب كيرولتصبح قانونا للبلاد. موافقة الكونجرس تلك ليست بالأمر الهين أو الممكن, لأن هناك أغلبية جمهورية صغيرة, حيث يوجد52 سسناتورا جمهوريا منهم معارضون لترامب كير, مقابل48 سيناتورا ديموقراطيا, كلهم ضد القانون حتي الآن. ستكون معركة حامية الوطيس. كما أنها ستكون نكسة كبري لملايين الفقراء الذين لا يستطيعون سبيلا.