لم يكن علي بطاقة التصويت في الاستفتاء الذي جري علي التعديل الجذري علي الدستور التركي سوي خيار نعم ولا, لكن الفوز الضعيف لمعسكر نعم سيكون نقطة تحول في تاريخ الدولة التركية, فالدستور الجديد سيحول إردوغان إلي سلطان حديث بسلطات لا رقابة عليها. لكنه مع ذلك لم يفز بتفويض قوي, ففي أنقرة وإسطنبول صوت المواطنون بلا, حتي في المناطق التي تعتبر معقلا لحزب الحرية والعدالة, حزب إردوغان..وفي الجنوب الشرقي صوت الأكراد بالا كذلك..وتطالب أحزاب المعارضة بإعادة فرز بطاقات التصويت وتعدادها, بعد أن أجازت لجنة الانتخابات العليا قبول بطاقات تصويت لا تحمل ختم الدولة. وأشار مراقبون أوروبيون إلي أن حملات الاستفتاء جرت في ملعب غير متكافئ, مع وجود تضييقات في الحملات الدعائية للمعسكر الرافض لها. والحقيقة التي لا مراء فيها ان الجمهورية التركية في عهد إردوغان كانت مريضة, بعد الاستفتاء أصبحت ميتة..والشعب التركي منقسم, كنتيجة لسياسة رجب طيب إردوغان الاستقطابية. التصويت جري بموجب قانون الطوارئ وبموجبه تم القاء القبض علي معظم المعارضين والرجل ذي النهج الإخواني يري أن التأييد لترسيخ طغيانه يوازي في نظره الفريضة التي تجزي ببطاقة دخول الي الجنة, ولديه ما يستند اليه. إذ حين يسمي الفقهاء معارضي دستوره المفصل علي مقاسه كفار وعندما يتصل الدعاة بالمواطنين الاتراك الذين يسكنون في المانيا ويحذرون مما ينتظرهم في العالم الآخر اذا صوتوا بلا, ولكن لماذا الرغبة في الدستور الجديد رغم طبيعة السلطة التي يحظي بها إردوغان؟ ربما السبب هو المزيد من الطمأنينة إلي أنه لن يستدعي إلي محكمة بناء علي أفعاله غير الشرعية, وربما إرضاء لغروره..والرجل يسير بتركيا نحو الخراب والدمار كما سار هتلر بألمانيا, كان المفكر سبينوزا يري أن عيب الديمقراطية هو في ميلها الي وضع طبقة العامة في السلطة حين توضع مقاليد الاختيار والانتخاب في أيديهم. لأن الحكمة ليست في كثرة الناس. وقد ينتخب الشعب أكثر الناس بلاهة وبلادة ويضعهم في أعظم مناصب الدولة, لا لشيء إلا لمقدرتهم علي تملق الشعب ومداهنتهم له والتلاعب بعواطفه ونزواته.. وهكذا تصبح الحكومات الديمقراطية في يد المشعوذين والدجالين والمنافقين الذين يسايرون أهواء الشعب ويطوعونها لمصلحتهم الخاصة. فمن المعلوم أن هتلر لم يغتصب السلطة ولم يصل إلي منصب( الفوهرر) عن طريق الانقلابات بل بواسطة الشعب الألماني الذي صوت له بالملايين. الجماهير التركية التي صوتت بنعم فشلت في اختيار النظام والزعيم المناسب لقيادة البلد أو ربما تختاره عن قصد لأنه يمثل تطلعاتها وتوجهاتها المنحرفة والخطيرة ويصبح هذا الجزء من الشعب والقائد كلا لا يتجزأ كما كان الحال مع الألمان والإيطاليين في ثلاثينات القرن الماضي. هل كتب علي تركيا ان تكون لعنة علي نفسها وعلي العالم كما يقول بعض المؤرخين ام ان من الممكن ان تعيش جنبا الي جنب مع غيرها من الشعوب والأمم, وتشارك في بناء الديمقراطية والسلام؟ هل سلم معسكر نعم مقاديره للمشعوذين باسم الدين فيعصبون عينيه, ويسحبونه من يده لتهرسه المغامرات. وتأكله نيران الحروب فهو يورط شعبه في التحالف مع الإرهاب وفي غزو سوريا والعراق وفي خوض حروب داخلية ضد الأكراد الأتراك ومتورط في تنظيم وتمويل الحركات الإرهابية في ليبيا وفي مصر وغيرهما. هل يكون مصير الجيل التركي مثل الجيل الالماني, بعد الحرب ليفتح عينيه علي بشاعة المأساة ويعكف علي ضميره المعذب والمعاناة من الشك والمرارة والضياع؟!. خبير في الشئون السياسية والإستراتيجية