بعد أن أشاد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم بالانتصار في استفتاء الدستور، وقف في شرفة مقر حزب العدالة والتنمية التركي، قائلًا: "لا يوجد خاسر في نتيجة التصويت هذه، ولكن هناك فائز واحد هو تركيا وشعبها النبيل". وفاز مُعسكر "نعم" في الاستفتاء التركي، على معسكر "لا" بفارقٍ ضئيل بنسبة 51%، حيث وافق الأتراك على التعديلات الدستورية التي سوف تلغي النظام البرلماني في الدولة - ومعها منصب رئيس الوزراء - لصالح نظام رئاسي بصلاحيات مُوسّعة. ولكن هذا النصر لم يكن مُقنعًا لأحزاب المعارضة؛ حيث رفض حزبان رئيسيان من أحزاب المعارضة الاعتراف بالهزيمة، وطالبا بإعادة فرز الأصوات بعد تقارير كثيرة عن تزوير الانتخابات، وعلى الرغم من الأخطاء الكثيرة التي تتمتّع بها الديمقراطية في تركيا، فقد كانت انتخاباتها الأخيرة عادلة بشكل كبير، ولكن لم يكن هذا هو الانطباع لدى الكثير من أفراد المعارضة مساء أمس، حيث صرّحت المعارضة - أن هناك أوراق اقتراع مُزوّرة، وخاصة مع السلوك غير المُنظم للجنة الانتخابات في البلاد. وأجرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عدّة حوارات مع مُحللين وباحثين لمعرفة آرائهم حول نتيجة الاستفتاء التركي وماذا سيترتب عليه بالنسبة لتركيا؟. وقال الباحث في مركز دلما للدراسات بأبو ظبي، سليم سازاك: "حتى اليوم، اعتقدت المعارضة التركية دائمًا أنّها خسرت بعدل وشفافية، ولكن ما حدث أمس يُغيّر من قواعد اللعبة". وتابع، "يعتقد معارضو أردوغان أن تلك التعديلات سوف تُرسِّخ من حُكم الرجل الواحد، وتبني ديكتاتورية على أرض الواقع، في حين يرى مؤيدوه أن تلك التعديلات ستمنحهم الحاكم القوي الذي يحتاجونه خاصة بالنظر إلى تاريخ تركيا في الانقلابات العسكرية - و كان آخرها الانقلاب الفاشل في يوليو الماضي - وعندما يدخل النظام الجديد حيز التنفيذ في الانتخابات الرئاسية القادمة المُتوقع إجرائها في 2019، سوف تكون علامة على التغيير الأكبر في السياسة التركية منذ بداية عصر الجمهورية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى. وقالت الصحيفة: إن "ضيق انتصار أردوغان - والذي فاز بنسبة 51% فقط - يُمكن تفسيره على أنّه ضربة للرئيس التركي، وتشجيعٍ للمعارضة التركية التي كانت متناحرة ومتناقضة على الالتئام والعمل معًا ضده، وقد عبّر آلاف المتظاهرين المُعارضين لأردوغان عن ضيقهم وحسرتهم من النتيجة في أرجاء إسطنبول عن طريق قرعهم على القدور والمقالي، فقد يكون أردوغان حقق فوزًا في الصناديق، ولكنّه لم يستطع تحقيق الانتصار الذي كان يأمل به". وحذّر زيا ميرال، الباحث التركي بمركز التحليل التاريخي وبحوث النزاعات في بريطانيا، من النزاعات والصراع الذي قد يحدث في المستقبل قائلًا: "سيؤدي الفوز الضئيل الذي حققه أردوغان إلى تشكيكه في الخطوات التي سيقوم بها في التعامل مع القضايا القادمة، وهذا يُقوي من المعارضة التركية، وأيضًا سيزيد من تدخل الدول ومطالبتها بعدم تطبيق بحث التغييرات التي من المقرر حدوثها، ومن الممكن أن يُرى هذا في بيان مجلس أوروبا الذي يطالب باحترام استقلالية القضاء، فالمرحلة المقبلة ستكون متوترة اجتماعيًا وسياسيًا، وسوف تزيد الاحتجاجات والجدل السياسي في تركيا". من جانبه قال راغب سويل، مراسل صحيفة "الصباح" اليومية التركية في واشنطن - وهي الصحيفة الموالية لأردوغان: "كان التصويت (بنعم) رد فعل على سنوات من الاضطرابات التي تضمنّت استئناف التمرد الكردي العنيف، وأحدث موجة من الهجمات الإرهابية لتنظيم داعش، والانقلاب الفاشل العام الماضي". وتابع "سويل" "أعتقد أن وسائل الإعلام الدولية ركزت أكثر على شخصية أردوغان، وأقل على الاستقطاب الاجتماعي وما مر به الشعب التركي خلال الأربع سنوات الماضية، وإذا وضعنا كل هذه المشاكل والأزمات والكوارث في اعتبارنا، فإن أغلبية المصوتين في الاستفتاء أرادوا الاستقرار ونظامًا يوفر مزيدًا من التحكُّم والسلطة للحكومة التركية، ويكون مؤثرًا في منع العقبات القادمة، والنظام الجديد يخلق رئاسة تركية أقوى والتي يمكنها التصرف بسهولة أمام الكوارث. وأفاد هوارد إيسنستات، وهو أستاذ مشارك في جامعة سانت لورانس الأمريكية وباحث في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، أن القوة المتواجدة في أنقرة الآن -(يقصد الرئيس التركي) - مُندهشة من قدرة الفريق المعارض للتعديلات الدستورية على فرض نتيجة متقاربة إلى هذا الحد، على الرغم من أن الحكومة تعمل بشكل كامل ضدهم". وأوضح أنه بالنظر إلى محاولات إخماد المعسكر الرافض للتعديلات الدستورية، وحقيقة أن أغلب قيادات حزب الشعوب الديمقراطي (الموالي للأكراد) في السجون، وسيطرة الحكومة الفعلية على وسائل الإعلام والتي ضمنت عدم التوازن في التغطية الفعلية للحملتين، بالنظر إلى كل هذا، فالمعسكر الرافض للتعديلات الدستورية أدى بشكل جيد جدًا، واستطاع الفوز بنسبة تقترب من 49% من الأصوات. وأضاف "بالنسبة لأردوغان، الفوز بفارق ضئيل ما زال فوزًا، ومن غير المحتمل أن يؤدي ذلك إلى إبطاء توطيد سلطته، أو أن يحاول الوصول إلى المعارضة بأي طريقة، وقد وعد في حالة فوز المعسكر المؤيد للتعديلات فسينتج عن هذا مزيدًا من الاستقرار وعودة نمو الاقتصاد التركي، ولا أعتقد أن أي من هذه الأشياء حقيقي". وأشار عمر تاسبينار، باحث كبير بمعهد بروكينجز، إلى واقع هزيمة المعسكر المؤيد للتعديلات في ثلاث مُدن كبرى - إسطنبولوأنقرة وديار بكر - على الرغم من أن أردوغان كان عمدة لمدينة إسطنبول فيما سبق. وقال تاسبينار: "حقيقة أن أردوغان فشل في الفوز بإسطنبول لأول مرة منذ عام 1994 هي علامة مهمة للغاية، وتدل على أنه حتى بعض مؤيدي حزب العدالة والتنمية في المناطق الحضرية لم يُصوتوا له، وتُبين النتيجة أيضًا وجود جبهة مُوحدة ضد أردوغان، و من الممكن أن يؤدي إلى إزاحته عن السُلطة، وينبغي أن تبدأ المعارضة بالسعي إلى الوحدة". ويرى أيكان إردمير، باحث كبير بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات - أن هناك أملًا في معارضة متعددة ضد أردوغان، ويقول: "شهد الاستفتاء تواجد مصوتين أكراد في الشرق، مع أتراك علمانيين في الغرب، ربما يكون هذا بداية عهد جديد، وهناك إمكانية وجود شيء أكثر من تحالف تكتيكي هنا، ولكن هذا يتطلب قائدًا ذو بصيرة، فهناك الكثير من الأشخاص وكثير من الطاقة بهم، ولكن يبقى السؤال ذو المليون دولار: من سيقوم بتوحيدهم جميعًا؟" ويعتقد جونول تول، مدير مركز الدراسات التركية في معهد الشرق الأوسط، أن أردوغان ربما يكون قد اتخذ نهجًا أكثر اعتدالًا، وقد يواصل محادثات السلام مع الانفصاليين الأكراد. ويقول: "توضح نتيجة اليوم أنه خسر وسط دائرته الانتخابية، ولم يستطع تعبئة الأتراك الوطنيين للتصويت لصالحه كما أراد، وكل هذا يتطلب نغمة مختلفة في الانتخابات الرئاسية القادمة في 2019، ويجب عليه أن يميل إلى الإرادة الشعبية، وأخذ خطوات لمعالجة الانخفاض في الاقتصاد التركي، وفي هذا السياق، عودة المحادثات مع الأكراد قد يكون لها فرصًا أفضل أكثر مما كان سيكون عليه الأمر في حالة فوزه فوزًا ساحقًا أمس، خاصةً أنه أدى بشكل أفضل من المتوقع بين الناخبين الأكراد". واختتمت الصحيفة تقريرها بقول سونر جاجابتاي، الخبير التركي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومؤلِف كتاب The New Sultan عن أردوغان: "أعتقد أن فوز أردوغان شيء جيد بدلًا من وصفها كطريقة لفوضى سياسية لفترات طويلة". وتابع جاجابتاي، "أعتقد أن هذه أفضل نتيجة يمكن الوصول إليها، فإذا كان أردوغان خسر كان سيؤدي هذا إلى فترة من عدم الاستقرار؛ لأنه كان سيقوم بإعادة التصويت كما توقع العديد من المحللين، وإذا كان فاز بأغلبية ساحقة، كان سيقول المحللون إنه استبدادي بشكل مُطلق، ولكن الآن، فقد تم تقييده ووضع حدٍ للامتيازات التي يحصل عليها وإذلاله بتلك النتيجة المتقاربة.