في أوائل الستينات كان هناك حرامي متخصص في سرقة البيوت الفاخرة اسمه محمود أمين سليمان, تحول الي بطل شعبي بعد أن ترصدت صحافة الإثارة أخباره, حتي إن مانشيت إحدي الجرائد يوم سقوطه كان: مصرع السفاح, بينما نشرت خبرا صغيرا عنوانه: عبدالناصر في الهند, وهو ما تسبب لها في مشاكل. التقط نجيب محفوظ القصة, وصاغها في رواية أسماها اللص والكلاب تحولت الي فيلم كتبه صبري عزت وعلي الزرقاني وأخرجه كمال الشيخ1962 بالاسم نفسه, ومنح البطل اسم سعيد مهران. في فيلم كمال الشيخ, يمكن قراءة سعيد مهران بعيدا عن تيمة روبن هود, وكذلك بعيدا عن تيمة الانتقام( الزوجة والصديق العشيق) حرين طليقين يهنئان بحياتهما التي بنياها علي جثة مهران. تناول الشيخ القصة من زاوية فلسفية, فسعيد هو الإنسان نفسه, فالشيطان( رؤوف علوان) يوسوس له, وزوجته( نبوية) توسوس له, حتي يأكل من الشجرة المحرمة, شجرة المعرفة, فيعتبر بذلك لصا, لأن يده امتدت للمحرمات. ولعل المشهد الأول يشرح لنا كل شيء, فسعيد يقتحم فيلا, فيجد فيها تفاحة, يقضمها قضمة واحدة فتنقض عليه الشرطة, وتعاقبه بالنفي من الجنة التي يعيش فيها مع زوجته, وتحكم عليه بالحرمان منها لآخر حياته. كان سعيد مهران نموذجا للثائر الذي لا يسعي للتطهر أو التراجع, بل يستمر في غيه, فيعيش في صراع مع الشيطان, والشيطان هنا كان رؤوف علوان, والصحافة التي حولته بطلا, وهي لا تقصد بذلك له النجاح, وإنما تريد به أن يذهب بنفسه الي هلاكه, وعندما يستجيب يتبرأ منه الصحفي, وينهره, ويسلبه ما منحه. وفي الصراع بين الإنسان والشيطان, لا يعرف الإنسان أن الانتصار علي الشيطان لا يعني قتله, بل اجتنابه, لكن الإنسان المائل بطبعه للخطيئة, الأحمق, العجول, الذي خلق في كبد, يستمر في المكابرة, وهو يظن أنه بذلك ينتقم من الأوغاد علي حد تعبير الفيلم. لقد أصبحت شخصية سعيد مهران حية, لأنها ليست ذلك البطل المنتصر, بل البطل المهزوم الحائر, إنه الدموع التي تفضح صاحبها علي حد تعبير علي الزرقاني. وفي الفيلم إشارات مهمة للعوامل التي ساعدت علي تأكيد مصير سعيد مهران, فرجل الدين يجلس علي كرسي عال, يتكلم بالفصحي التي لا يتحدث بها مهران. ورجل الشرطة( الرائع عدلي كاسب) لا يهمه سوي تطبيق القانون, الذي وصفه عليش بأنه نغمه بياتي. وبذلك فإن حياة سعيد تتحول إلي سجن كبير اجتهد كثيرا عبدالعزيز فهمي مدير التصوير, في تقديمه من خلال ظلال الشبابيك والسلالم علي الحوائط. سعيد مهران, البطل الشعبي الذي يغدر به الجميع ما عدا صديقين مومس وصاحب حانة لا يصلحان لتكوين مجتمع يتشوق إليه سعيد, في حين تبلغ ذروة الدراما عندما نجد سعيد مهران جالسا أمام مولانا, وفي الخلفية نسمع أشعار ابن الفارض: وكفي غراما أن أبيت متيما/ شوقي أمامي والقضاء ورائي.