.. ومازلنا مع الاثارة والتشريق ومسيرة رائعة لواحد من أكبر مخرجي السينما المصرية, أنه كمال الشيخ الذي كان يحلو للبعض وصفه بهتشكوك مصر, وبالطبع قد تبدو هناك ثغرات وعثرات في مشوار الشيخ الابداعي لكنها لا تقارن بمجمل أعماله, ومن جانبنا سوف نعبر بعض الشرائط للنتوقف عند المحطات الرئيسية والعلامات الهامة واليوم ستكون محطتنا الأولي مع فيلم لن اعترف والذي عرض عام1961 وفيه يظهر بوضوح أسلوب الشيخ التشويقي الممزوج بالغموض وهو بالتالي جعل المتفرج علي أهبة الاستعداد كي يتلقي المفاجآت واحدة تلو أخري إلي ان نصل إلي الذروة ومعرفة من قتل الصراف موظف الخزانة, المثير أن نص السيناريو, وإيحاءات الكاميرا ومعها الإضاءات الخافتة المتدرجة وطريقة تحريك الشخوص من جانب والغوص في اعماقها من جانب آخر جعلنا نعتقد بالفعل أن ثمة شخصا آخر هو الذي دبر وخطط ونفذ أنه يقف أمامنا ها هو احمد مظهر(1917 2002) بإدائه المضطرب يغرس الشك وعدم التعاطف لدي المتفرج لدرجة يستحق معها اللعنة هو وذلك المبتز' دياب' الرائع صلاح منصور(1923 1979) بعد إرسالها بفترة, حتي الزوجة آمال' فاتن حمامة' تعتقد جازمة أن زوجها أحمد قاتل محترف وتصمت صمتا رهيبا عن كل شيء, أن أحلامها صارت كوابيس, وأسرتها تنهار أمام عينيها فماذا عساها أن تفعل سوي اختيار الموت البطيء إلي أن تكتشف ونحن معها المجرم الحقيقي أنه شقيقها فتحي وفي حوار مذهل بينه وبين شقيقته في نهايات الحكاية المثيرة يطمئنها أنه لن يعدم كون معه شريكة شريفة ماهر وسط دموع تنساب, وشهقة لهفة علي ابن أبيها وأمها, لكن سنة الحياة تقول أن اسرتها الصغيرة هي الأهم وفتحي' أحمد رمزي' عليه أن يدفع الثمن. في اللص والكلاب قصة نجيب محفوظ, ومع سيناريو وضعه علي الزرقاني(1918 1982) وحوار صبري عزت قدم الشيخ عام1962 رؤية بوليسية للنص الأدبي راعت أجواء سياسية في مصر السائرة علي طريق الحرية والاشتراكية والوحدة وهكذا ضاعت أو علي الأقل اختفت المعاني الفلسفية والعبثية من العمل الأدبي الذي يشكل نقطة مهمة في مرحلة فارقة بصاحب نوبل الراحل نجيب محفوظ, وصار سعيد مهران' شكري سرحان(1925 1997) ضحية طليقته سنية' سلوي محمود' وزوجها عليش' زين العشماوي'(1934 1991) ورءوف علوان' كمال الشناوي الصحفي الانتهازي وجميعهم اركان مع اختلاف التفاصيل فضاء يلف مجتمع لا نعرف إذا كان هو الذي يستهل حقبة الستينيات ام أنه الموغل في ماض قريب, وفي الاغلب كان واضحا الاسقاط علي فترة ما نعتت بكل اوصاف الشر والاستبداد وتمثيل أم نور العاهرة فنبكي عليها فثمة إصرار علي دفعها كي تعيش في الضياع. ويعود كمال الشيخ سريعا في العالم التالي إلي نسج تحفة سينمائية أخري لا تلعب السياسة فيها أي دور مباشر حتي يكون حرا طليقا يطير في سماء سينما لا تمليها قرارات رقابية هنا أو هناك أنه' الليلة الأخيرة تمصير رائع لقصة أجنبية لمرجريت واين وضع له السيناريو يوسف السباعي(1917 1978) وخط له الحوار صبري عزت ولأهميته نترك السطور التالية تلخيصا لذلك العمل كتبه الناقد والمؤرخ السينمائي الصديق محمود قاسم ف' بعد سهرة متعبة استيقظت نادية برهان صادق' فاتن حمامة' التي عادت لها ذاكرتها بعد خمس عشرة سنة فهي تزوجت يوم5 أكتوبر1942 من صلاح طيار شاب' كمال ياسين'(1924 1988), لكنها الآن تري النتيجة المعلقة أمامها علي حائط غرفة نومها تشير إلي أن اليوم هو11 أبريل1957 وأن كل شيء تغير حولها, حجرتها وفستان فرحها غير موجود, كما أن زوج أختها شاكر' محمود مرسي(1923 2004) يعاملها بعنف وهناك فتاة تدعي سامية' مديحة سالم' تناديها بماما, شاكر يناديها باسم أختها فوزية, فهل هو لا يعرف أن اسمها نادية. اتصلت بمنزل والدها في الإسكندرية فعلمت أن عائلة والدها لا تعيش هناك, وجدت سامية تستعد للبس فستان زفافها ويوبخها شاكر لأنها لم تستعد لحفل زواج ابنتها فاستقبلت التهاني من الحاضرين وقبلت العريس الذي اندهش لتغير معاملتها له فجأة, بعد السهرة رفضت أن تنام بجانب شاكر ورفضت أن تصدق أنها فوزية, لأن فوزية أختها المتزوجة من شاكر, استغلت سفر زوجها إلي الاسكندرية فاصطحبته وبدأت تبحث عن منزل أسرتها واستطاعت الوصول إلي فيلا صلاح مهران ووجدته مع أولاده حيث أنكر معرفته لنادية برهان ولكنه تراجع وأخبرها أنها كانت خطيبته وماتت, وتأكدت نادية أنها ليست إلا فوزية أم سامية, ويدخل علي الخط الدكتور مجدي' أحمد مظهر' الذي يعرض عليها وعلي زوجها أن تعرض نفسها علي طبيب نفساني يؤدي الدور عبد الخالق صالح(1913 1978), يرفض شاكر علي أساس أن فوزية علي وشك الجنون مثل والدتها بينما تعلم أن والدتها كانت عاقلة وتتصاعد الاحداث ونحن وراءها نلهث نريد أن نعلم حقيقة تلك السيدة التي خلبت أفئدتنا من فرط تعاطفنا معها إلي أن نصل إلي الذروة ومعها تنجلي الحقائق لكن نادية تطلب من مجدي أن يكون اسمها بينها وبينه أما في العلن فهي فوزية والدة سامية وليرحم الله شاكر, هنا نشير إلي أن الشيخ أصر علي أن يقوم بدور شاكر الفنان محمود مرسي رغم تحفظ فاتن حمامة التي كانت ترغب في رشدي أباظة والسبب أن مرسي له سطوة رهيبة وحضور مذهل أمام الكاميرا ولكن كان للشيخ ما اراد وليصدق حدسه فما رشحه حصل علي جائزة الدولة كأحسن ممثل أول. وبعد عامين أي في عام1965 يتعاون الاثنان من جديد في شريط كتب قصته إبراهيم الورداني ووضع له سيناريو عبد الحي أديب(1928 2007) والحوار موسي صبري(1925 1992) وكان عنوانه الخائنة1965 وهي هنا' نادية لطفي' التي جعلتنا نتعاطف معها, ودون وعظ أو سرد نصائح يأخذنا الشيخ إلي بيان وضع الخيانه في الفقه القانوني المصري, وكيف صان المشرع الحرية الشخصية وحماها من الظنون وتخمينات البشر. ومرت ثلاث سنوات كاملة اختفي فيها الشيخ إلي أن عاد عام1968 متدفقا مقدما لنا ولذاكرة السينما المصرية فيلما اعتمد موضوعه علي واحدة من روائع فتحي غانم(1924 1999) الادبية' الرجل الذي فقد ظله' وكالعادة ووضع له السيناريو والحوار علي الزرقاني والحق كان الفيلم مباراة رائعة في الاداء بين فنانين منطلقين بقوة إلي عالم النجومية أمثال' كمال الشناوي الذي جسد الدور الرئيسي الصحفي يوسف السيوفي وكيف أنه نجح بامتياز في تقديم أداء جديد ومغاير لنفس شخصية الصحفي الانتهازي والتي سبق وأداها في اللص والكلاب, وماجدة بعد دورها الفذ في فيلم الغريب للشيخ أيضا تقدم دور الزوجة الصغيرة للاب الكهل الطيب عماد حمدي, وبعد قليل سترافق الثوري الاصلاحي صلاح ذو الفقار الذي مد لها يد العون محتضنا إياها وطفلها الرضيع من خلال اداء لسيدة ناضجة تسعي مع الآخرين في تغيير واقع فاسد يروج له ابن زوجها ما يهمنا ان نركز عليه هو أن مخرجنا صاحب حياة أو موت والمنزل رقم13 صار علي نفس نهجه البوليسي ولكن في سياق غير منفصل عن واقع اجتماعي وسياسي معاش زاد انه قدم رؤية لا تنتقص من النص الادبي وفي نفس تحفظ للسينما خصوصيتها وجمالياتها كونها لغة كاميرا ومفردات بصرية الحوار فيها استثناء. ولن تكون تلك الخطوة سوي بداية لتطور في مسيرة الشيخ وهو ينهل من الادب مواضيع أفلامه التالية وكأنه أراد دون إعلان صريح أن يقدم اعتذارا لعثرته التي وقع فيها عندما قرأ سينمائيا رواية اللص والكلاب بيد أنه في عام1969 سيقدم نصا أدبيا كتبه احسان عبد القدوس(1919 1990) وهو بئر الحرمان وهذا سيكون مستهل الحلقة الثالثة والاخيرة من مسيرة الشيخ في عالم الفن السابع الاسبوع القادم.