والضوضاء مشكلة يتعامل معها العالم المتحضر بجدية لأنها تشكل احد الأسباب الرئيسية في التوتر النفسي والعصبي وزيادة معدلات العنف والجريمة. و لأن بعض أنواع هذه الضوضاء لا يمكن تجنبها بشكل كامل. مثل تلك الناجمة عن المحركات بكافة أنواعها, تلك التي تستخدم في الماكينات والسيارات والقطارات والطائرات وموتورات رفع المياه وغيرها, فإن أهل العلم والمخترعات يحاولون تخفيض هذه الضوضاء إلي أقل حد ممكن حفاظا علي الصحة النفسية للبشر. غير أن أغرب أنواع الضوضاء تلك التي يصنعها الإنسان عن عمد دون سبب واضح إلا جلب الضوضاء, وهي خاصية أصبحنا نتميز بها دون غيرنا من خلق الله. ومن نكد طالعنا أننا قد تحصلنا علي أنواع الآلات التي تعظم من قدرتنا علي إنتاج الضوضاء والجلبة ونجتهد كل يوم في خلق وسائل جديدة لتعظيم ضوضائنا وجلبتنا وتعميم حالة من الصرع والتوتر النفسي والعصبي علينا جميعا. فنحن نستخدم كافة آلات تكبير الصوت من الميكروفونات والسماعات الضخمة العتيقة منها والحديثة وأصوات النفير ودق الطبول ونفخ المزامير في كل احتفالاتنا, وأفراحنا وأتراحنا, الدينية منها والدنيوية أيضا. نستخدم كافة أنواع الضوضاء في زفاف أو افتتاح محل عصير أو أحذية. في مأتم أو في مؤتمر. في الموالد أو المقاهي أو صالات السينما والمسرح, ضوضاء مستمرة بلا انقطاع تصل الليل بالنهار. وفي العقدين الأخيرين ازداد طالعنا نحسا, فقد توسعت الآلة الإعلامية المسموعة والمرئية, وتضخمت من حيث العدد ومن حيث ساعات الإرسال, فبعد أن كانت قنوات التليفزيون محدودة وساعات إرسالها معدودة, بتنا الآن أمام عدد لا يحصي من القنوات تبث علي مدار الساعة ضوضاء سمعية وبصرية, لتضيف إلي الضوضاء ضجيجا. وفي لسان العرب ضج القوم يضجون ضجيجا بمعني فزعوا من شيء, وأضجوا إضجاجا إذا صاحوا فجلبوا, أي أحدثوا جلبة. وأي شئ تراه الآن في القنوات الفضائية سوي هذا النوع من الجلبة والضجيج خاصة فيما بات يعرف بالبرامج الحوارية أو' التوك شو'. والأصل في الحوار بين الناس هو أن يتكلم طرف ويصغي أخر, والمتكلم ينبغي أن تكون لديه المعرفة والقدرة علي التعبير والصياغة والسامع ينبغي أن يتحلي بفضيلة الإصغاء والتفهم. ثم يتبادلان الأدوار ليتكلم الذي كان يسمع ويصغي الذي كان يتكلم. لكنك لا تري مثل هذا في برامجنا الحوارية, ففي أغلب الأحيان يتداخل الجميع بالصياح, أويقاطعون بعضهم البعض, ويعاركهم ويقاطعهم المذيع المضيف, وتظل حالة الجلبة والصياح إلي ان ينقطع الكلام كله بالفاصل الإعلاني الردئ والذي ينبغي أن يحترمه الجميع, ثم نعود بعد الفاصل لنستقبل المكالمات التليفونية لتتسع دائرة الكلام وتقل مساحة الإصغاء ويزداد الضجيج. وإن تأملت حالنا الأن ستجد أننا نبدأ يومنا نتعرض لكل أنواع الضوضاء أو نمارسها, وينتهي بنا المطاف أمام شاشات التليفزيون يمارس علينا كل أنواع الضجيج أو نمارسه علي انفسنا. وتزداد حالتنا سوءا بعد أن عزت علينا الأصوات الناعمة والشجية وبعدت عنا أصوات الآلات الموسيقية الرقيقة والعذبة, وتكاثرت علي مسامعنا أصوات الآلات القارعة الصامة للأذن واستولت علي أذاننا أصوات مخنوقة أو زاعقة تصاحبها ضوضاء بصرية قبيحة لتكتمل دائرة القبح ضوضاء وضجيجا. ولست اعلم إن كان الضوضاء والضجيج هما سبب التوتر والعنف النفسي والاجتماعي, أم إنهما السبب فيه, فغالب الأمر عندي أنهما يغذيان بعضهما بعضا. غير ان المؤكد عندي ان ضوضاء الشارع المصري فاقت قدرة أي كائن حي علي التحمل ناهيك عن الإنسان الطبيعي. كما أن ضجيج الصياح والفزع الذي نمارسه يوميا عبر أجهزة الإعلام قد أصابنا جميعا بالصمم فبتنا لا نسمع بعضنا بعضا ناهيك عن الإصغاء. فهل نرفق بأنفسنا ونبحث عن مخرج من ضجيج الطرشان.الأصل في الحوار بين الناس هو أن يتكلم طرف ويصغي أخر, والمتكلم ينبغي أن تكون لديه المعرفة والقدرة علي التعبير والصياغة والسامع ينبغي أن يتحلي بفضيلة الإصغاء والتفهم الأصل في الحوار بين الناس هو أن يتكلم طرف ويصغي أخر, والمتكلم ينبغي أن تكون لديه المعرفة والقدرة علي التعبير والصياغة والسامع ينبغي أن يتحلي بفضيلة الإصغاء والتفهم أغرب أنواع الضوضاء تلك التي يصنعها الإنسان عن عمد دون سبب واضح إلا جلب الضوضاء