في بيتنا فرعونان .. كيف قضت معركة الجزائر علي المستقبل السياسي للوريث؟.. إلي شهداء ثورة25 يناير2011 إلي أبطال السويس,المدينة التي حافظت علي شعلة الثورة حتي جمعة الغضب. إلي عبد الوهاب المسيري, وجمال حمدان, ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس, ومحمد عفيفي مطر, ومحيي الدين اللباد, وفاروق عبد القادر, ومحمد عودة ومحمد الس يد سعيد, وغيرهم ممن انتظروا طويلا هذه الولادة الجديدة لمصر. إلي الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي بدأ مقاتلا وانتهي قاتلا. لولا عنادك, وانتهاجك سياسة الملل لفقدت الثورة كثيرا من روعتها. في خريف عام2009, سئل جمال مبارك في مؤتمر صحفي, عن حوار يقترحه معارضون وجماعات الفيسبوك وكفاية, فاصطنع ضحكة باهتة, للإيهام بخفة ظله, وقال ساخرا: ردوا أنتم بقي عليهم! ثم مال ميلة مائعة تسئ الي الرجال, وقال لحسين عبد الغني مدير مكتب قناة الجزيرة في مصر: رد ياحسين! ولم يكن لزاما أن يكركر حسين من قلبه, إلا بقدر من المجاملة للرئيس الفعلي لمصر, رأينا حسين يقهقة ساخرا, هو ومحمد عبد اللاه, وكان الأخير قد لقن المعارضين درسا في البروتوكول والأدب الرئاسي, قائلا في( المصري اليوم) تحت عنوان( حان وقت الكلام المسؤول), إن انتقاد جمال مبارك إشعال للنار, وعاب علي أحد منتقدي جمال أنه وصفه بالفرعون الصغير: يقول الكاتب عن الأمين العام المساعد للحزب الوطني الديمقراطي جمال مبارك إنه الفرعون الصغير وهذا وصف معيب...فلماذا يعامل جمال مبارك معاملة استصغار تكررت للأسف في صحف المعارضين؟ هذا من دواعي عدم الموضوعية, ومن أسباب تكدير الحياة السياسية....ماقولكم في سياسي( عف اللسان) عمره اثنان وأربعون عاما؟(2006/10/12). حتي من دون اعتذار كاتب هذا المقال, كان يمكن اعتبار كلامه حادث سير مهنيا, ووعدا بحلم مشروع أو غير مشروع, ولكن الإصرار علي انتهاج خدمة توصيل رسائل سياسية الي من بيده مقادير الصحافة والسياسة والاقتصاد لايدع لحسن الظن سبيلا, إذ كتب عبد اللاه في( المصري اليوم) أيضا تحت عنوان(حلال وحرام) معترضا علي محمد حسنين هيكل وغيره,ممن يرون التوريث من المحرمات السياسية واستشهد بما قاله الرئيس حسني مبارك والسيد جمال مبارك أكثر من مرة عن استبعاد توريث الحكم في مصر(2008/12/1). وتحت عنوان( خسارة) كتب كلاما يتراوح بين التصريح والتلميح, ثم توكل علي الله وحسم أمره وأفصح وأوضح وصرح أن توريث الحكم الذي يملأ المجادلون سماء مصر بكلامهم عنه, ليس هو التحدي الأكبر الذي يواجه بلادنا.وفي رأيي أن الرجل موضوع هذا الكلام, وهو السيد جمال مبارك, يجب النظر إليه باعتباره من نواتج التفاعلات السياسية في بلادنا بامتداد أكثر من نصف قرن...وأتصور أن جمال مبارك رجل لاينام من إحساسه بعبء مايتعين عليه أن ينجزه...يجب أن نتناقش حول جمال مبارك علي هذا النحو, أي في نطاق أنه سياسي لاوريث حكم(2008/12/21). قبل محمد عبد اللاه,ومعه وبعده كانت كتيبة من المشتاقين تعمل بدقة, وتضبط إيقاع الكلام, ومنهم من تنطبق عليه مقولة خيركم في الجاهلية خيركم في الإسلام وأبرزهم الأنور الهواري, إذ كتب في صحيفة( الوفد) تحت عنوان( فرعونان في وقت واحد!) عن ازدواجية في قمة الحكم, لاسابقة لها في التاريخ المصري:وهذه الازدواجية التي تجمع مبارك الأب مع مبارك الابن, ومبارك الأول مع مبارك الثاني والرئيس الأب مع الرئيس الابن والرئيس المنتخب مع الرئيس العرفي والرئيس القديم مع الرئيس الجديد, تثير الكثير من القضايا النظرية والعملية التي تحتاج إلي دراسة وتأمل...ودائما كان يكفي أن يكون لدينا فرعون واحد, حتي نذوق المرارة علي يديه, وبصراحة شديدة فإن هذا هو الإنجاز الذي لم يقصر فيه الرئيس مبارك فقد تفوق وأجاد ويكفيك الآن إن تحرك لسانك في فمك لتذوق المرارة المعتقة, المرارة في افواه الجميع ساكنة, حتي فقد الناس لذة الحياة وبهجتها بصورة لم تعرف الانقطاع طوال25 عاما, فهي فترة تخلو تماما من أي أمجاد أو انتصارات أو مفاخر أو أفراح قومية وجماعية,افتح الآن ذاكرتك وابحث فيها عن مفخرة وطنية واحدة شهدناها في ال25 عاما الماضية ويقينا لن تجد إلا تفاصيل عادية جدا وتافهة جدا لن يأتيك من ورائها إلا الضجر السقيم والملل العقيم, ومعني ذلك أن المرارة تسكن الفم, وهذا هو السبب فيما نشهده من موجات الاكتئاب القومي الشامل التي تغمر المصريين جميعا حتي استوت عندهم ظلمة الليل مع ضوء النهار, وانتقلت المرارة الي أعين الناس وبصائرهم فلا يرون بصيص أمل نحو المستقبل, وبينما نحن كذلك جاءنا الفرعون الثاني ليأخذ مقعده الي جانب الفرعون الأول, فازداد الشعب إحساسا بالألم المزدوج وبالمرارة المضاعفة...ومن اليوم لن نسكت علي الفرعون الأول ولا علي الفرعون الثاني... المهمة صعبة جدا, فرعونان في وقت واحد, علي شعب واحد!(2006/9/29). جمال جمال ولكن الأنور الهواري ترك( الوفد), ثم عاد رئيسا لتحرير مجلة( الأهرام الاقتصادي) وكاتب عمودي في صحفية( الأهرام المسائي). وبدعوي أنه أفاق, وعاد الي حظيرة الدولة, واستغفر ربه ثم خر راكعا وأناب, ظل يعلن حروبا, حقيقية أو مفتعلة, علي من يفكر في مستقبل مصر, أو ينتقد سياسة مؤسسة الحكم, وفي القلب منها مبارك وابنه, أصبحت مصر الدولة التاريخية هي مبارك وحده لاشريك له. في مقال عنوانه( جمال مبارك) كتب الأنور كلاما إنشائيا يليق بطالب ثانوي يتدرب علي الجملة حتي تستقيم: عنده قلب, عنده عقل,عنده أعصاب. هذه هي خصائص القيادة عند جمال مبارك. عاطفة وطنية, تلهب حماسه, للاندفاع نحو أعقد القضايا وأصعب المشكلات, عاطفة حب تربطه ببلده, بجذوره, بزمنه, بأهله, بأحلامهم, بطموحاتهم, بمطالبهم, برغباتهم في التغيير, بأشواقهم نحو الأفضل. عقل واسع, مطلع,لديه هندسة غريزية, يدرس بها القضايا, يضع الحدود بين العموميات والتفاصيل, بين الأهداف والوسائل, يفرز الأولويات ويعيد ترتيبها, طاقة عقلية تستوعب التفاصيل, صافية لايلحقها تشويش ولاتعكير, لا تخلط عليه القضايا, لاترتبك أمامه جذور المسائل, لديه قدرة فائقة علي تتبع الأزمات من نشأتها, إلي تطورها وتفاعلها, ولديه قدرة مماثلة علي إدارتها سعيا نحو حلها, تزدحم القضايا في الواقع, وفي الملفات, وفي الساحات العامة, ولكنها لاتزدحم في عقله...لديه القدرة علي إثبات أن العقل الإنساني هو السيد هو الفاعل هو المتحكم هو صاحب القرار. أعصاب قوية منشأهاوأصلها قوة التسامح. قوة الثقة في الذات,قوة النظر للرأي الآخر باحترام... قوة الاستقامة الأخلاقية والأمانة في تحمل المسئوليات العامة...هذه هي خصائص القيادة عند جمال مبارك, كما تتجلي للمراقب المحايد. وقد استمعت اليه, يعرض وجهات نظره, ويستمع الي وجهات نظر الآخرين, في دأب, وجلد, ومثابرة يحسد عليها علي مدي خمس ساعات متواصلة( الأهرام المسائي2010/4/30) وحين اقترح محمد حسنين هيكل, في أكتوبر2010, إنشاء( مجلس أمناء الدولة والدستور) برئاسة مبارك وعضوية شخصيات بارزة ذات كفاءة, اتهمه الأنور الهواري, في( الأهرام المسائي) بنشر خطة الانقلاب علي الشرعية وأنه( المخرف السياسي الأكبر يضع نفسه تحت طائلة القانون...أيها الإله الزائف..أنت تدعو للرثاء والإشفاق..أنت تحتاج الي بطانية زيادة تتغطي بها في ليل الخريف(2010/10/21) وفي اليوم التالي وصفة بأنه( مجنون... قدوته السياسية الحاقد حسن نصر الله...مجنون برقاش..يدعو القوات المسلحةالي رعاية الانقلاب الذي يخطط له وهو يتعاطي سيجارا من بانجو مخلوط بالحشيش. مجنون برقاش يسير علي خطي الشيطان..يهذي علي الملأ ويدعو الشعب للعصيان..يتجرأ علي مقام القوات المسلحة الطاهرة ويناديها أن تشارك في مؤامرته الفاجرة...مجنون برقاش, مرحبا بك في السراية الصفراء.(الأهرام المسائي2010/10/22). وبعد أن أصدر مبارك قرار تعيين أحمد شفيق رئيسا للوزراء, خلال ثورة25يناير, كتب الأنور الهواري مقالا عنوانه( رئيس الوزراء) بدأه بهذه السطور: أحمد شفيق..فريق في العمل.. مدرسة في الإدارة.. مذهب في القيادة.. رؤية طائرة في عنان السماء.. تري الواقع وتطل عليه من كل الزوايا..( الأهرام المسائي2011/1/30) وبعد نجاح الثورة, سيوجه فوهة مدفعة, من( الأهرام المسائي) أيضا, إلي مصر الثائرة قائلا: ميدان التحرير هو روح جديد تنتقل معنا من الخارج إلي أعماق نفوسنا, من الشارع إلي بيوتنا من قمة هرم السلطة إلي أدناها(2011/3/8), وسيكتب بجرأة يوم2011/3/13: يكفي ثورة الخامس والعشرين من يناير شرفا انها دفنت تاريخا كان قد مات وأوضاعا جعلت من الوطن مقبرة للحلم والأمل ويكفيها شرفا أنها أسست لتاريخ جديد, عادت فيه مصر من ميدان التحرير كأنها ولدت من جديد. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! معركة الجزائر قضي علي مستقبل مبارك الصغير منافقوه, وحسمت الجزائر المعركة لصالح الشعب المصري, الممثل عادل إمام سخر من الشباب والمظاهرات, وقال في بداية ثورة25 يناير, إنهم شوية عيال مضحوك عليهم ثم قرأ بذكاء اتجاه الريح, وأدرك ان نهاية النظام وشيكة, فركب الموجة, واتصل بكثير من القنوات الفضائية معلنا دعمه للثوار, هو نفسه الذي قال من قبل: ياريت جمال يرشح نفسه ويصبح رئيسا لمصر, نحتاج إلي شخص قوي وكان مرسي عطاالله رئيس تحرير( الأهرام المسائي) حريصا علي متابعة أخبار جمال وعلاء مبارك, وتتبع أخبار صعود فريقهما( الصقور) لكرة القدم في دورات رياضية رمضانية, يحسم فيها الفوز قبل ان تبدأ, علي طريقة عدي صدام حسين, احتفظ بصورة فوتوغرافية, نشرت في( الأهرام المسائي) وكتب مرسي عطاالله تعليقها بخط يده, اولاها بتاريخ1998/12/13, وفيها يقف جمال بين حرس شداد, وكتب مرسي علي ظهر الصورة: عندما بدأت ضربات الجزاء الترجيحية تعلقت كل العيون بأقدام اللاعبين ووقف جمال مبارك يتابع الضربات بقلق واهتمام بالغ وفي صورة أخري التقطت يوم1999/1/13, يقول: علاء مبارك كابتن فريق الصقور في صراع علي الكرة مع محمد رمضان نجم الأهلي. قبل سنوات زارنا في الأهرام المسائي أسامة الغزالي حرب, كان قد رشح نفسه نقيبا للصحفيين, وحين فتح باب النقاش, قلت له, وزملائي شهود أحياء يرزقون, إنني سأتكلم في أمرين, اولهما يخص المهنة, وثانيهما استنكاري لتقديمك للترشح, وأنت عضو في لجنة السياسات تحت رئاسة جمال مبارك, ونخشي ان تتحول النقابة إلي أحد مقار الحزب الحاكم, قال إنه استقال من لجنة السياسات, ورددت عليه أنني لا أضمن الا يكون خلاف قد حدث, حول مصلحة أو أشواق إلي منصب, الوريث يحكم مصر بالفعل ولا أستوعب ان يجلس كاتب يحترم نفسه في موضع التلميذ او الموظف, امام رئيس للجنة لا أحد يعرف طبيعة دورها, ومعظم اعضائها من صغار السن قليلي الخبرة وقال الرجل انه استقال, ولم اشأ ان احرجه اكثر. الوريث فوق رقاب العباد أغلقت الجزائر, من دون قصد الثغرة الأخيرة التي كاد يتسلل منها جمال مبارك إلي الكرسي, ثم اتضح ان الثغرة ظلت موجودة ومتوارية, حتي بعد( جمعة الغضب), ولم تنته تماما إلا بعد فشل موقعة الجمل يوم الأربعاء الدامي2011/2/2 كما سنري ذهب جمال إلي السودان, علي رأس بعثة منتخب كرة القدم, ولكن المبارة الفاصلة يوم2009/11/18, انتهت بفوز الجزائر, وتأهلها لنهائيات كأس العالم2010 بجنوب افريقيا, كان الترتيب ان يمر سيناريو التوريث من بوابة الجزائر عبرالسودان, وان يحمل الوريث فوق رقاب العباد, في مطار القاهرة, وتخرس الألسنة, وترفع الأقلام, وتجف الصحف, ولكن الجزائر احبطت خطة اللصوص, فاخترعوا خطة بديلة هي اتهام الجمهور الجزائري بالبلطجة كان واضحا ان لاعبي الجزائر أبرياء من تهمة الاساءة إلينا, لم يكن مطلوبا منهم أن يخونوا بلادهم ويفتحوا شباك مرماهم, من اجل عيون مبارك الصغير, تجاهل الجهلاء هذا الأمر, وسارعوا إلي لعن السودان لعنا كبيرا, إذ فشل في حماية لاعبي مصر ومشجعيها بعد المباراة, ونشط السفهاء من المذيعين, في القنوات الرسمية والخاصة المملوكة لرجال أعمال تحوم حولهم الشبهات, وأذاعت لقطات قديمة, علي أنها اعتداءات علي المصريين في السودان, في برنامج بالتليفزيون المصري تساءل احمق كان رئيسا لتحرير مجلة حكومية: هو فين الرئيس السوداني؟ صحوه من النوم, هي السودان فيها مطار!. وقال مندوب المبيعات الزبلكاني الذي أصبح وزيرا للإعلام ان مصر مستعدة لإرسال طائرات عسكرية لإجلاء المصريين, وبعد ساعات, تغيرت اللهجة, إذ احتج السودان علي تصريح سفيه ينتهك سيادته بالكلام, وبطائرات عسكرية, اكد انه لم يقصر في حماية الجمهور, ولم يكن له يد في تغيير نتيجة المباراة, تغيرت اللهجة, وأصبح السودان, علي ألسنة المذيعين أنفسهم, رائعا وجميلا ومدهشا, وانصبت اللعنات علي الجزائر, حتي إن علاء مبارك أبكي لاعب كرة تافها, وهو يتشنهف علي ضحايا الاعتداءات, وقال ابن مبارك الكبير بثقة: وداعا للعروبة, وبغير إحسان, تبعه يوسف زيدان, في( المصري اليوم), مزايدا وساخرا من مسميمات ما أنزل الله بها من سلطان: الأخوة العرب الأشقاء, وهذا مقال دال وكاف ليجعلني أفرغ يدي من اجتهادات يوسف, وأتخلص من كتبه الغزيرة, بعد أن استعرض بخفة, غير لائقة بباحث, البؤس الذي قال انه يغوص في نفوس صحراويين لم تعرف بلادهم يوما نسمات التحضر في ذلك البلد المسمي الجزائر.. ورئيسهم الحالي المسمي بوتفليقة, ثم وجد جذورا لهذا العنف الرياضي أتذكر.. كان معنا في كلية الآداب طلاب جزائريون بالدراسات العليا, وكانوا والحق يقال مثالا للغباء والعنف الداخلي, والتعصب المطلق( أي التعصب لأي سبب) ومع أن المنح الدراسية المقدمة لهم, ويا للعجب, كانت مجانية, اي ان مصر( المحروسة) تقوم بسدادها عنهم, إلا أنهم كانوا لا يكفون عن التذمر, لانهم كانوا حانقين علي بلدهم! لأنها ارسلتهم إلي مصر وليس إلي فرنسا, كآخرين من زملائهم(2009/11/25). مبارك يفوض أمر مصر إلي الله! كان شهود الزور والكهنة يرون الصمت فضيلة, حين يكون الكلام واجبا, يوم الأربعاء2010/5/19, تفادي مبارك سؤالا مفاجئا, في مؤتمر صحفي في روما, عمن سيخلفه, قال: من يعلم؟ الله وحده يعلم من سيكون خليفتي وحين كرر الصحفي سؤاله, أشار مبارك إلي السماء: أفضل من يفضله الله ولم يعلق السيد يسين ولا جابر عصفور, ولا الأنور الهواري عن انتماء هذه الإجابة المراوغة إلي العصور الوسطي. ولكن المداحين والهتيفة, الذين اصابهم الله بضعف البصيرة, افقدتهم الثورة ضعف الذاكرة لم يخجل رئيس تحرير الاهرام أسامة سرايا, حين نشر في الصفحة الأولي صورة بالحجم الطبيعي تقريبا لمبارك في عيد ميلاده2008/5/4, واخترع له صفات كثيرة, تحت عنوان يليق بتحتمس الثالث أو رمسيس الثاني أو محمد علي أو جمال عبدالناصر: يوم ولدت مصر من جديد صحفي آخر اسمه ممتاز القط, كان محررا يغطي أخبار مجلس الوزراء, وفوجيء بتنصيبه رئيسا لتحرير( أخبار اليوم), صدمة لم يفق منها, وظل يسبح بحمد مبارك, ويزور المدرسة الابتدائية التي تعلم فيها مبارك صبيا, وله مقال شهير عن مناقب الرئيس, وكيف انه صاحب عيا, وليس من العدل انتقاده بعد أن حرمه الله نعمة طشة الملوخية وهذا أدعي لاي مصري الا يفكر في أن يكون رئيسا, فكيف تكون للرئاسة معني أو لذة مع الحرمان من الملوخية؟ ولكن القط كتب: التاريخ ان كان قد فتح اروع صفحاته لبطولات شباب ثورة25 يناير.. فإنه سيسجل ايضا بمداد من الخزي والعار ما يقوم به البعض اليوم من ركوب الموجة( أخبار اليوم2011/2/19) وقال علي هاشم رئيس مجلس إدارة دار التحرير في صحيفة( الجمهورية): أتوقع ان تقوم أكثر من جهة أو فرد باعداد كتاب وثائقي لكل من كتب ينافق النظام السابق ثم سرعان ما انقلب عليه,(2011/2/17), ولم يكن قد مر وقت طويل ينسي هاشم أنه كتب في( الجمهورية), عقب تزوير الانتخابات لصالح الحزب الحاكم: وضع الحزب الوطني خارطة طريق للسنوات المقبلة, ورسمت كلمة الرئيس مبارك زعيم الحزب ملامح البرنامج الجديد للحزب وصاغت بعناية خطط المستقبل, ووراء هذا الجهد الفكري المتميز نجوم ظهرت بصماتهم بوضوح, منهم السياسي القدير صفوت الشريف أمين عام الحزب وجمال مبارك قائد ثورة الإصلاح ثم البرلماني والقانوني الشهير د. مفيد شهاب والسياسي والمعارض الحكومي النشط د. زكريا عزمي والمهندس أحمد عز ود. علي الدين هلال وغيرهم. ليت أحزاب المعارضة التي ملأت الدنيا صياحا وضجيجا وعلقت فشلها علي شماعة الحزب الوطني وحكومته. ليتها تفيق وتلتفت إلي المنهج المنظم للوطني.(2010/12/20) أنيس.. حبة فوق.. حبة تحت أما أنيس منصور, الذي اتهم الثوار بما يشبه الخيانة, وقال إنهم رأوا اليورو لأول مرة.. ويأتيهم الطعام ساخنا تحت الخيام, وأدان الثورة قبل أن يتأكد له نجاحها( كما سيرد في يوميات الميدان), فتمكن من القفز, وزاحم آخرين وأوسع لنفسه مقعدا في العربة الأخيرة, ليصف مشاهداته وتأملاته, ويقول إن الملايين الشابة قد اتفقت علي رأي علي نطرية وهي إنقاذ مصر من الفاسدين من أبناء مصر ووصفتها الدول الأوروبية والأمريكية بأنها ثورة ناعمة ناجحة من أول لحظة ولا قطرة دم. فهي ثورة بيضاء لم نعرف لها نظيرا في التاريخ!.( الأهرام2011/2/26). وبعد أن رأي أنيس المسافات تبعده عن مبارك, ولا أمل له في العودة إلي الكرسي واتته الشجاعة, واجترأ علي سؤال رجل ميت إكلينيكيا وتاريخيا: فلماذا المليارات التي تملأ الجيوب, يا ليتك ورثت هذه المليارات وإنما كانت من قوت الشعب ياريس!.( الشرق الأوسط2011/3/29). ثم أكد أن ثورة25 يناير لا قبلها ولابعدها, وعثر في جرابه علي سهام وحرب أخري, فواصل الطعن والضرب في الميت, وسأله: تطلع حرامي؟ مبارك لم يكن زعيما, وورث ثروة مصر بدون أي مجهود, مثله مثل واحد بجوار سائق تاكسي, وفجأة ضرب هذا السائق بالنار, فأخذ مكانه. لقد تسلم مصر جاهزة, فلم يقل شيئا ولم يفعل شيئا, فقط رفع العلم علي طابا, وأشهد أن حكاية الضربة الجوية لم يكن له فيها دور, فقد كانت طلعة جوية عادية مفيش حاجة اسمها الضربة الجوية.( أخبار اليوم2011/4/30). ولم تكن الساحة خالية للكهنة وشهود الزور والطامحين والخائفين والمتلونين. هناك شرفاء بحق, ظلوا يكتبون, ولكن مبارك لا يقرأ, وابنه ضيق الصدر, محدود الخيال والأفق. قال سعيد النجار لجمال في نادي الدبلوماسيين: إنكم, أنت وأبوك لا تدركون قيمة البلد الذي تحكمونه, لا تعون أصلا معني( الدولة), فمن مصلحتهم الإبقاء عليها ليجدوا ما يحكمون وما ينهبون, بدلا من تفكك الدولة. وكتب حازم الببلاوي تحت عنوان( أريد أن انتخب جمال مبارك) قائلا إن التكوين النفسي والبيئة التي عاش فيها جمال مبارك يجعلان من شخصيته تهديدا وخطرا علي المبدأ الجمهوري, وسأل مهندسي التوريث: هل نتنازل عن المبدأ الجمهوري من أجل هذا الشاب؟... فهو متوسط أو فوق المتوسط من ناحية التعليم, وتساءل أيضا: ماذا يفعل الشاب جمال مبارك لكي يكسب عيشه؟.. لماذا لا نعرف شيئا عن نشاط السيد جمال مبارك المهني, الذي يتكسب منه؟.( المصري اليوم2010/9/7). في الصفحة الأخيرة من كتابي( سبع سماوات) قلت إن مجيء ابن الرئيس عودة إلي الوراء, إلي ما قبل صيحة عرابي: لقد خلقنا الله أحرارا... لن نورث, مقولة أيقونة نتوارثها منذ عام1882, وتساءلت: ماذا لو ورث الابن أباه؟, وتركت الإجابة مفتوحة, كانت الإجابة أو الاجابات هي ثالث أي اثنين أو أكثر من المثقفين القلقين علي مستقبل الدولة, في حين كاد عامة الشعب يرضون, أو هكذا تصورت بالأمر الواقع. وفي عزاء محيي الدين اللباد, مساء الثلاثاء2010/9/7 بمسجد عمر مكرم, كان التوريث ثالثنا, عماد أبو غازي وأنا. رد علي اعتراضي مستنكرا: وما له جمال مبارك؟ علي الأقل أفضل من الإخوان, وقلت: مرحبا بالإخوان إذا جاءت بهم الانتخابات, ومرحبا به أيضا, بشرط أن يفصل بينه وبين أبيه حاكم آخر, لو ورثنا فسوف أهاجر, أو أحمل السلاح, الولد لا يعرف الاسفلت, ويرانا بعين مستشرق. قال: أنت تبالغ, هو رئيس مدني. كان عماد مثل كثيرين من دوائر الثقافة الرسمية يتعاملون مع أمر واقع, كأنه قدر, أو هو القدر. وقطع نقاشنا وصول حسين جبيل معزيا, ثم جاء آخرون, وخرجت من المسجد مع حسين, وظل عماد, ولم يكتمل النقاش, ولم أكن بحاجة لاستكماله, كانت الاختيارات واضحة. مبارك والقذافي.. وجهان قبيحان لا يختلف جمال مبارك عن سيف الإسلام القذافي, ولا مبارك عن معمر, إلا في الدرجة. في عام1997 نظم معرض القاهرة الدولي للكتاب ندوة لمناقشة المجموعة القصصية( الأرض الأرض.. القرية القرية.. وانتحار رائد الفضاء) للقذافي, وقد صدرت بمقدمة لسمير سرحان. كان المؤلف العبقري يتابع علي الطرف الآخر, في تعال, اجتهادات النقاد المساكين, وهم يحاولون النفاذ إلي جوهر المعاني الإنساني الثورية, وأذكر منهم نبيل راغب مؤلف كتاب( أنور السادات رائدا للتأصيل الفكري), ومدحت الجيار( سأتحدث عنه في يوميات الثورة), وظننت تلك الندوة نزوة نقاد مصريين قصار القامة, أو فرض كفاية علي الكتاب العرب, ثم اكتشفت أنها أحد طقوس الولاء, حتي لمن هم بعيدون عن سطوة البطش القذافي, ففي مدينة سرت الليبية, أهدي الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب برئاسة محمد سلماوي, في أكتوبر2009, درع الاتحاد للقذافي, بصفته أديبا عظيما. ونظم المؤتمر مائدة مستديرة عنوانها( النص الأدبي لدي المبدع معمر القذافي), شارك فيها المصريون مدحت الجيار, وشوقي بدر يوسف, وفؤاد قنديل تحدث أيضا, حتي إن أحمد الخميسي كتب في( أخبار الأدب): هل يصدق العقيد ما يقوله أولئك النقاد: واتساءل حين أقرأ أخبار ذلك النقد الأدبي: تري ما الذي قد يغنيه العندليب في حضرة السيف؟!.(2009/11/1). وبعد انطلاق الثورة الليبية يوم2011/2/17, فتحت( الحياة) بعض صفحات ملف الملوثة أيديهم بدماء الليبيين, ممن مدحوا القذافي, أو شاركوا في ندوات عنه( كاتبا ومبدعا), وزينوا له سوء عمله فرآه حسنا, ومنهم المصريون: سيد محمد السيد قطب, وميرال الطحاوي, وسمير الجمل. فماذا يختلف القذافي عن صدام؟ جابر عصفور الذي يحلو له التباهي برفض زيارة العراق تحت دكتاتور, لم يتردد في قبول جائزة تحمل اسم دكتاتور آخر. كان الكاتب الإسباني خوان جويتيسولو قد رفض( جائزة القذافي العالمية للآداب), في دورتها الأولي والأخيرة, حين أعلن في أغسطس2009 منحها له, معترضا علي تجميل وجه طاغية, لا يستحق أن يمنحه كاتب محترم شرف قبوله جائزة تحمل اسمه. وقال جويتيسولو في رسالة إلي عراب الجوائز صلاح فضل: أرجوك أن تتفهم الأسباب التي دعتني لاتخاذ هذا القرار... انطلاقا من احترامي الخاص للعرب ولثقافتهم الرائعة, قمت دائما وكلما استطعت بانتقاد الأنظمة الثيوقراطية والأنظمة العائلية التي تحكمهم. ثم حمل فضل جائزة القذافي, صرها في منديل أو عقال خليجي, ووضعها في زاوية من بقجة كبيرة تضم جوائز وأمانات جوائز ولجان, وعرضها علي عصفور, فلم يشفق منها, وحملها وتباهي. وبعد ايام من عودته المباركة, كتب في الأهرام(2010/5/3), فخورا بالجائزة وبالرحلة إلي ليبيا التي ردت إليه ما ضاع من صورة وطني, مستدفئا ومستترا بصحبة ضمت السيد يسين, وأحمد إبراهيم الفقيه, اضافة إلي أستاذنا الدكتور يحيي الجمل وخيري شلبي وأخي جمال الغيطاني وسعيد الكفراوي ومحمد الخولي ويسري خميس ومحمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب العرب مدعوين للاحتفال. جابر عصفور, كما وصفه نصر أبو زيد في رسالة لسعيد الكفراوي أحتفظ بأصلها, طحنه قادوس السلطة, وانتشي نشوة الاندماج والذوبان الكامل عشقا في السلطة وولها بها. وسيكون لعصفور نصيب في يوميات الثورة, فالشيطان الأخرس هو الذي يعرف مقولة سفيان الثوري: النظر إلي إلي وجه الظالم خطيئة, ثم يرضي بأن يستخدمه الظالمون, وهو غير مكره. غدا: اعتذار إلي كل مصري.