توقفت كثيرا أمام حكاية مصنع لبن الأطفال الذي اكتشفته وزارة الصحة فجأة في بلادي, معلنة عن انها كوزارة تفاجأت بوجوده وأنه علي مستوي عال من الإنتاج الذي يصدر بكامله لهولندا التي ترسل خبراءها للتأكد من مواصفات الإنتاج. وزادت الوزارة في تبشيرها المصريين والإعلام بالكشف العظيم علي لسان وزيرها, بأن أوضحت أن حجم إنتاج المصنع يبلغ35 مليون عبوة سنويا بينما احتياج السوق لا يتجاوز18 مليون عبوة وهو ما يعني زيادة المنتج وتصديره للخارج وإدرار عملة صعبة للبلاد. لا أعلم لماذا تذكرت ونش التحرير الذي استيقظت مصر في مطلع الثمانينيات علي اختفائه من قلب ميدان التحرير وقت حفر مترو الانفاق دون أن يظهر له أثر حتي يومنا هذا! وقلت في نفسي: إذا أخفينا الونش فيمكننا اكتشاف مصنع بكامل هيئته وعماله وأوراقه ومبانيه وضرائبه وحركة إنتاجه بين عشية وضحاها...شعب جبار يفعل الاعاجيب بلا دجل ولا شعوذة!!!. لكن حتي حكاية الونش لا يمكنها تبرير حكاية مصنع لاكتو للألبان التي اكتشفها وزير الصحة يوم الثلاثاء الماضي فجأة حسب تعبيره هو ومتحدثه الاعلامي. حتي مع حديثه عن أن الخير سيهل وسيتوقف عهد استيراد اللبن وتوفير العملة الصعبة. وتوقفت أكثر أمام التصريحات التلفزيونية للدكتور خالد مجاهد المتحدث باسم وزارة الصحة, الذي قال نصا: للأسف رغم أننا مررنا بأزمة كبيرة في ألبان الأطفال لكن ما كانش عندنا فكرة بوجود المصنع, وأن وجود مصنع بالشكل ده في مصر كان مفاجأة لنا خاصة أن رئيس مجلس إدارته مصري نمساوي والعاملين فيه مصريون والمساهمين فيه مصريون وألبانه مطابقة للمواصفات, ودي حاجة غريبة. بالطبع هذا كلام ساذج بالنسبة لي فالمصنع لم يكن بحجم الفيل إللي يتصر في منديل حتي لا تراه وزارة الصحة أو تتفاجأ بوجوده وأكيد أن له سجلا تجاريا وضريبيا وملفات في وزارة الاستثمار والصناعة واتحاد الصناعات و وزارة القوي العاملة والتأمينات وهو ما يعني علم الحكومة بأمره. ليس هذا وحسب بل إن نجاح أي مسئول يعتمد علي حجم قاعدة بياناته ليعلم ما لديه من إمكانيات وموارد وسبل حل الأزمات. ربما يقول البعض: جل من لا يسهو رغم ان ادارة الدولة ومؤسسة بحجم وزارة الصحة لا يصح فيها السهو, فنصمت. إلا أن بيان اتحاد الصناعات الصادر صباح الخميس ردا علي الوزير ومتحدثه كان صادما بكل المعايير حيث أكد البيان أن الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة تجاهل عرضا تقدمت به شركة لاكتو مصر لإنتاج ألبان وأغذية الاطفال في اغسطس الماضي لتوريد احتياجات السوق المصرية من البان الاطفال في ظل الأزمة التي حدثت وقتها. وقال المهندس اشرف الجزايرلي رئيس غرفة الصناعات الغذائية التابعة للاتحاد في بيانه أن المهندس محمد زكي السويدي رئيس اتحاد الصناعات المصرية أبلغ رئيس الوزارة المهندس شريف اسماعيل والمهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة اللذين عرضا الموضوع علي وزير الصحة الذي تجاهل الرد إلي ان خرج بالبيان الغريب عن اكتشاف المصنع!!؟؟؟ وأتوقف هنا مجددا احتراما لعقلي وعقولكم لأتساءل هل هناك شيء اسمه تجاهل وزير في حكومة لحديث رئيس الوزارة ووزير التجارة والصناعة عن وسيلة محلية لحل أزمة؟؟ وبخاصة أن تكلفة الاستيراد وفقا لتصريحات الوزير بلغت250 مليون دولار في وقت كانت مصر تعاني بشدة من غياب الدولار!؟! فإذا كان وزير الصحة لا يستمع لرئيس الوزارة ولا لمعلومات زميله في نفس الحكومة فلمن يستمع؟ وإذا كان رئيس الوزارة فاقدا السلطة علي أعضاء حكومته فما لزوم بقائه إذن؟ لكن الأمر لم يتوقف عند حد بيان اتحاد الصناعات فوفقا لخبر منشور علي اليوم السابع بتاريخ الجمعة20 يناير2017, فإن وزارة الإنتاج الحربي اعلنت عن توقيع بروتوكول تعاون بينها وبين شركة لاكتو مصر لإنتاج ألبان وأغذية الأطفال بشأن انتاج مصنع مصري لصناعة إلبان الاطفال وإعلان تفاصيل البروتوكول والخطة في مؤتمر صحفي بمقر الوزارة يوم22 يناير2017! ؟؟ وهو ما يعني أن السيد الوزير لو لم يعلم بشأن المصنع من البيانات ورئيس الحكومة ووزير الصناعة, فإن جهازه الاعلامي لابد وأن يكون قد أعلمه بخبر المؤتمر والبروتوكول؟!! ولعلاج كل ما سبق وبسياسة غلوش غلوش, خرج علينا الوزير بتصريح جديد يوم الخميس الماضي اعقب بيان الاتحاد قال فيه إن سبب إغلاق المصنع في عام2005 هو اتهامه بالفساد ولكنه نال حكما قضائيا بفتحه في عام2007 وبات يصدر انتاجه للخارج وانه حان الوقت ليكون لدينا مصنع لانتاج اللبن بدلا من استيراده؟! أي مسخ هذا و لم الصمت عليه وعلي من أشاروا عليه وتجاهل رأيهم؟. هل يمكن تسمية هؤلاء بمسئولين؟ سأتغاضي عن احاديث الوزير المفتقرة للحكمة والمعرفة وقراءة التاريخ, ولن أعلق علي موقف الرئيس منه يوم افتتاح مستشفي كوبري القبة العسكري عن تقاعسه فيما طلبه منه لتطوير المستشفيات والخدمة الصحية لأن هناك رئيسا كان عليه تغييره طالما لم ينفذ مهامه. لكنني سأتوقف أمام وزير لم يكتف باهدار المال العام والعملة الصعبة, لكنه لم يتورع عن الإدلاء بتصريحات يتم تكذيبها بعد ساعات ليبدوأمامنا بهذا الشكل الخالي من الثقة. وتبقي كلمة... حاسبوهم واجعلوهم عبرة وإلا فلتنسوا حديثا عن معالجة فساد ومفسدين.