يجب الاعتراف بأن التوسع الإمبراطوري المسمي بالاستعمار لم يتراجع عن خططه لابتلاع العالم وإنما غير شكل توسعه, فبدلا من استخدام الجيوش ودفع فاتورة الاحتلال المباشر وتحمل أعباء المقاومة الشعبية في البلدان التي يقوم باحتلالها إذا به يستخدم سلاح الحرب الثقافية والغزو الفكري والغذائي تحت شعار,اكأس وغانية تفعلان بالأمة ما لا يفعله1000 مدفعببهدف تقسيم مجتمعاتنا من الداخل وإلهائنا بصراعات داخلية تستهلك قوتنا, إلي جانب محاربة قيمنا الخاصة لنصبح جاهزين للتماهي فيه والقبول بسيادته علينا تحت ستار العولمة, مع الضغط العنيف علي قياداتنا من أجل تمرير السيطرة الاقتصادية تحت شعارات الإصلاح الاقتصادي والمنافسة الحرة في الأسواق المفتوحة وهي شعارات تهدف في الحقيقة إلي تدمير صناعاتنا وإنتاجنا المحلي وتحويله بالكامل إلي خدمة صناعة هذا الاستعمار. وإذا تأملنا محاولات التغريب التي واجهها بلدنا منذ رحل المستعمر الإنجليزي نجدها لم تتوقف وذلك لإبعادنا عن مصريتنا, وفي المقابل كانت مواجهتنا التغريب بطريقة خاطئة.. إما بأن نحاربه عن طريق الانغلاق الكامل كما حدث في العصر الناصري, وإما بأن نتصالح معه إلي حد التماهي مع الغرب وقيمه كما حدث بعد الانفتاح, بينما كان من الواجب مواجهة التغريب بعمل إيجابي يشمل إعادة إحياء احترام المواطن وثقته بثقافته وحضارته العربية, لا عن طريق إطلاق التعصب الديني بل عن طريق إعلامه بمقومات أصوله الثقافية من فنون وعادات حضارية. كان من الواجب أن نقدم لجمهورنا الموسيقي والفنون الأجنبية, شريطة ألا ينحصر محتوي وسائلنا الإعلامية علي النتاج الثقافي الأجنبي, كما يحدث الآن, فتتم تنشئة شبابنا علي ثقافات أجنبية غالبا لا علاقة لها بواقعنا ولا بمخزوننا الثقافي. ماذا تقدم وسائلنا الإعلامية للمواطن عن ثقافته وعن قيمه؟ ماذا تقدم لجمهورها من فنوننا التراثية؟ ماذا تقدم له من موسيقانا الراقية ومن إنتاجنا الفكري الذي كان أحد أسس انطلاق النهضة في الغرب؟ ما تقدمه هذه الوسائل لجمهورها للأسف هو محتوي هابط تغلب عليه الأعمال الرديئة ثقافيا والمنحطة أخلاقيا.. أين الكلمات ذات المعاني والموسيقي الجميلة في أغانينا؟ أين أم كلثوم وسيد درويش والرحبانية وفيروز في وسائلنا الإعلامية؟ أين طه حسين وجبران ومحمد عبده؟ أين موسيقانا وفنوننا الجميلة, أين كتابنا الكبار؟ من قرأ جبران الذي حببنا الغرب به, طلابنا لم يسمعوا بالشيخ إمام, أو بأمل دنقل. ما تقدمه وسائلنا الإعلامية عنهم يتضاءل تدريجيا. أشك في أن جيلنا الجديد يتعرف عليهم من خلال وسائلنا الإعلامية الحالية. لقد عودت وسائل إعلامنا جيلنا الجديد علي الهابط من البرامج فنيا وأخلاقيا. لقد عودناه عليابوس الواواب وابركب الحنطور واتحنطربوعلي التحريض الطائفي والعنصري. وسائلنا الإعلامية لا تقدم للجيل الجديد ما هو جميل في مجتمعنا, بل إنها تسهم في تعميم ما هو قبيح وهابط. وهنا نخلص بأن المشاهد هو المستقبل وأن معرفة الميول والاتجاهات أمر ضروري حتي تكتمل حلقة الوصل بالعلم والمعرفة والانتشار لتكتمل ثمرة العارضين والمتلقين, فلنجتمع جميعا من أجل هدف واحد لنواجه التحدي حفاظا علي أجيالنا بتخطيط إعلامي مبني علي الأسس والمبادئ العلمية لأمتنا العربية من خلال حامل رسالة ممتاز, لأن مخالفة الحقائق قد تذهب بأجيالنا إلي الهاوية.