تزايدت في الفترة الأخيرة موجات التطرف حول العالم وتلجأ بعض الجماعات إلي تجنيد الشباب والنشء الصغير وزرع الفكر المتشدد في عقولهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع الإلكترونية التي يستطيعون الوصول إليهم من خلالها علاوة علي انتشار ظاهرة حمل الأطفال للسلاح للقتال في صفوف تنظيم داعش الإرهابي والجماعات التكفيرية واعتناق العديد منهم أفكارا متطرفة عدائية لا تمت للإسلام بصلة بعيدة كل البعد عن المنهج الوسطي المعتدل الذي أتي الإسلام لتحقيقه ومع انتشار وظهور تلك الظواهر طرحنا المشكلة علي علماء الدين لتوضيح كيفية التعامل مع هذا الخطر الداهم الذي يهدد المجتمعات ودور المدرسة في تحصين الطلاب من هذا الفكر وتقديم الإسلام الوسطي الصحيح, خاصة من خلال تدريس التربية الدينية وكذلك دور الأسرة والمؤسسات لعلاج تلك الأمور. أكد الدكتور محمد عبدالفضيل القوصي وزير الأوقاف الأسبق ونائب رئيس مجلس إدارة الربطة العالمية لخريجي الأزهر أن انضمام بعض الأطفال إلي الجماعات الإرهابية وحملهم للفكر المتطرف والسلاح خطر كبير وأن ذلك يحتم علي ضرورة تكاتف كافة المؤسسات ليس الدينية منها فقط لتوعية النشء بصحيح الفكر الوسطي المعتدل منهج الأزهر وهذا هو حقيقة الدين الإسلامي. وقال: إننا نعمل في الأزهر الشريف من خلال الدراسة بالمعاهد الأزهرية والدورات التي تقوم بها الرابطة العالمية لخريجي الأزهر من خلال فروعها الداخلية أو علي مستوي العالم علي تهيئة الأطفال لحمل رسالة الأزهر الوسطية ولتوضيح الإسلام وتوازنه وثبات خطواته وجلاء إسهامات الأزهر الخلاقة في كل ميادين العلوم والتطور الحضاري والأخلاقي للإنسانية, وترسيخ قيم الاعتدال والبعد عن التطرف والمغالاة في الدين وحمل لواء الإسلام كما أمر الله سبحانه وتعالي, مضيفا أن الرابطة تعمل في هذا الصدد منذ نشأتها وتعتبر هذه الدورات هي إحدي أهم أنشطة الرابطة لخدمة أهدافها. وشدد علي ضرورة استيعاب النشء والإجابة علي جميع الأسئلة والاستفسارات المطروحة منهم حول ما يعلق في أذهانهم من موضوعات ملتبس عليهم فهمها أو غيرها لافتا إلي الدور الكبير الذي تلعبه الأسرة في الحفاظ علي الأطفال وتقديمهم للمجتمعات بشكل مشرف يخدم وطنه وأهله وأن يؤمن بفكرة البناء لا الهدم والتجديد والتطوير وليس التقصير والاعتماد علي الآخر. وأشار إلي أن تقدم الأمم بحسن تربية أبنائها وتجهيزهم للمستقبل محذرا من خطورة انتشار بعض الوسائل التي تؤثر بالسلب علي تفكير النشء والشباب بالإضافة إلي استخدام البعض غياب دور الأسرة والمجتمع والمدرسة في تكوين شخصية النشء بالأفكار السليمة الصحيحة التي تبعده عن اعتناق أفكار هدامة لاتمت للإسلام بصلة. وشدد القوصي علي ضرورة الاهتمام بمادة التربية الدينية أو الإسلامية وأن يحتوي المنهج علي ما يحمي النشء والشباب من الوقوع في براثن الفكر المنحرف والمتطرف من القرآن والسنة النبوية التي تبين رحمة ووسطية الإسلام وقبوله الآخر والتعددية الفكرية, ولا مانع من أن تقوم المدارس باستضافة علماء الدين المستنيرين لإعطاء محاضرات للطلبة في مختلف المراحل السنية; حيث تأخذ بهم إلي فهم الإسلام فهما صحيحا بعيدا عن الغلو والتطرف, لأن الإسلام دين الوسطية فالتطرف يأتي عن طريق تقديم مفاهيم خاطئة لخداع الشباب والأطفال. وأوضح أننا في حاجة إلي غرس القيم الفاضلة والأخلاق النبيلة والثقافة الإسلامية الصحيحة, في نفوس النشء, منذ المراحل الأولي للتعليم فذلك يمنح النشء حصانة من تسلل الفكر المتشدد والمتطرف إلي عقله. وأكد أن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر تبني إصدار مجلة نور للأطفال والتي تتضمن قصصا ممتعة وشيقة لكبار الكتاب والرسامين إيمانا من الأزهر الشريف بضرورة التواصل مع الأطفال بلغة مبسطة تسهم في تربيتهم علي قيم الخير والسلام والوحدة والمحبة, فضلا عن ترسيخ قيم الانتماء للوطن, وتعريفهم بتاريخ الأزهر الشريف ودوره في نشر الفكر الوسطي للإسلام, وتنشئتهم علي القيم الإنسانية النبيلة, وتنقية عقولهم من الأفكار المتشددة, إضافة إلي ملء الفراغ الثقافي, وتعزيز المنهج العلمي لديهم, وتشجيع مواهبهم وتنمية مهاراته وتعريف الطفل ببطولات جيش بلاده عبر العصور المختلفة بتقديم قصص البطولات التي لم يعاصرها. د. إلهام شاهين: تربية العقول أولا أقترح علي الأزهر أن يرعي برنامجا للرد علي التساؤلات المحيرة أكدت الدكتورة إلهام شاهين الأستاذة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر أن تربية النشء هي أهم ما يجب أن نركز عليه, وأن نعطيه الأولوية في قائمة اهتماماتنا في جميع المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية وهي مسئولية المنزل والشارع والمجتمع كله بكل محتوياته وأري أن الأهم في تربية النشء هو تربية عقولهم وتحصينها ضد ما يطرأ عليها من أفكار هدامة لنفوس النشء والدين وعادات وتقاليد المجتمع. وأضافت أن كلها أسئلة تحار فيها عقولهم الصغيرة فمنهم من يكتم بداخله تلك التساؤلات التي تظل حائرة في العقول والنفوس وإذا لم يسألها من تدور في عقله فإنها قد تؤدي إلي أمراض نفسية وتجعل النشء عرضة للإلحاد ذلك لأنهم لم يجدوا ما يريح نفوسهم ويدلهم علي الصحيح والصريح لتلك الأسئلة وهناك من يسأل ولا يجد إجابة شافية وافية علي أسئلته وهذا لا يكون أحسن حالا من الأول وأشارت إلي أن النوع الأخير الذي يجد من أهل الوعي والثقافة من ذويهم من يحترم عقولهم ويبحث عن الطريق الصحيح لراحة نفوسهم وعقولهم ويعرف إلي من يتوجه بأسئلة الأبناء ولكن مثل هذا قليل ونادر جدا ولذلك كان من أسوأ الأساليب التربوية وأسمجها أن تقابل أسئلة الطفل الفطرية بالكذب, أو المماطلة, أو التجاهل, أو التندر, أو الزجر! وقالت: إن ما يريده كل طفل من أبويه إن سألهما عن شيء أن يجاب بإجابة حاضرة, وصادقة, ومبسطة, ومختصرة, ودقيقة علميا, فإن استمر يسأل والديه بدون أن يجاب عن أسئلته بأجوبة شافية; فسيتجه إلي أقرانه ليسألهم, ولابد أن يجد لديهم العديد من الأجوبة المشوهة! وأوضحت أنه حتي نتجنب ونجنب أبناءنا وبناتنا الكثير من الفتن, فإنني أتوجه بنداء ورجاء إلي فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ليتبني فضيلته رعاية فكرة برنامج يجيب من خلاله أهل الاختصاص علي أسئلة النشء المحيرة لعقولهم الصغيرة والتي تعجز أمامها العقول الكبيرة أيضا والتي تطرأ علي أذهان الجميع وتؤدي إلي سهولة انتشار الإلحاد الظاهر والخفي بين الصغار والكبار علي أن يراعي في الإجابة علي تلك الأسئلة, أن تفرغ في قالب المحادثة والحوار بين السائل والمتخصص بحيث لا يعطي الإجابة عن سؤاله دفعة, بل شيئا فشيئا علي التدريج, فإذا استفسر أكثر; زيدت الأجوبة بحسب عمره, ونوع أسئلته, ومدي إدراكه مستعينا في الإجابة بضرب الأمثال, وقص القصص, واستعمال الموسوعات العلمية المصورة; لتفهيم المعني, وإيصاله إلي ذهن الطفل والنشء وأنه يجب في الإجابة أن تتسم بالاختصار, والابتعاد عن التفاصيل الدقيقة والشروح الفلسفية المعقدة مع صحة الأجوبة وواقعيتها, وألا تكون قائمة علي الخرافات والأباطيل والحرص علي تجنب الكذب, أو ادعاء المعرفة عند العجز عن الإجابة, ومن الخير وعد الطفل بالبحث عن الجواب, عوضا عن ملء عقله بأجوبة سمجة, قد تشكل طريقة تفكيره فيما بعد. وأضافت: أتمني أن يكون ذلك ضمن البرامج التي ترعاها المشيخة والتي بدأت تظهر وتثبت وجودها علي الفضائيات من خلال منظومة تطوير وتجديد الخطاب الديني التي تتبناها وترعاها مشيخة الأزهر. ولفتت إلي أن عقول أبنائنا وبناتنا المتفتحة يطرأ عليها كثير من الأسئلة ويمكن تصنيفها فمنها الأسئلة الخاصة بالعقيدة وأخري خاصة بالشريعة وهناك من النشء الأصغر سنا ولديهم أسئلة تتكرر دائما من معظم الأطفال منها أسئلة عن الله- عز وجل- وشكله, وإذا كان راضيا عنا ويحبنا, فلم لا يأخذنا عنده؟! وعن الملائكة وشكلها وأسمائها؟ والجنة وما فيها؟ وكيف سنحيا فيها؟ وما سنعمل هناك؟ وعن الجنين كيف يتكون؟ وكيف يخرج؟! أسامة ياسين: الأسرة والمدرسة أبرز الأسلحة لحماية النشء قال أسامة ياسين, نائب رئيس مجلس إدارة الرابطة العالمية لخريجي الأزهر: إننا أمام خطر داهم من الفكر المتشدد يحاصر أبناءنا في كل مكان ولهذا فلابد أن نعمل علي حمايتهم من خلال المناهج, مشددا علي أن الأسرة والمدرسة أهم العناصر الأساسية لمواجهة التشدد والتطرف من خلال تعليم الأطفال المنهج الديني الصحيح, مشيرا إلي أهمية غرس قيم التسامح وحب الأوطان وأن نركز علي المعاملات, ونحذر من الظواهر السلبية التي تهدد الفرد والمجتمع وفي مقدمتها الفكر المتشدد. وأوضح أننا لم نهتم بتأهيل معلمين متخصصين مما أدي إلي لجوء الطلاب لمصادر أخري لتحصيل العلم الديني, موضحا أن الرابطة تقوم بعقد ندوات ومؤتمرات ودورات تدريبية للمعلمين لتدريبهم علي كيفية التعامل مع الأطفال والقضايا المستحدثة وحمايتهم من خطر الأفكار المتطرفة علاوة علي تنظيم العديد من المسابقات وذلك في إطار ما تقوم به الرابطة من أنشطة وفعاليات متنوعة الهدف منها تفعيل المشاركة الإيجابية للطلاب الوافدين في كل ما من شأنه ترسيخ القيم النبيلة وبث روح التنافس في حفظ كتاب الله تعالي والتشجيع عليه. وأكد أنه لابد من ترسيخ وسطية الإسلام واعتداله كما يتم تدريسه بالأزهر لدي الأطفال لتحسين الصورة الذهنية المغلوطة عن الإسلام في الغرب من خلال بعض المتعصبين, وكذا محاربة الغلو والتطرف.فالأزهريون مطالبون بالقيام بهذا الدور بما حصلوه من دراسة معتدلة بالأزهر, لافتا إلي أن ظاهرة التطرف لدي الأطفال هو الاستثناء وليس القاعدة ولا تختص بدين ولا ثقافة ولا شعب, وعلي الرغم من ذلك فهي ظاهرة نرجعها لعدة أسباب منها النفسية والأخلاقية والتعليمية والفكرية, وأيضا الاجتماعية. وشدد علي أننا أمام قضية بالغة الخطورة والأهمية مما يتطلب منا التكاتف لحماية أطفالنا الذين هم مستقبلنا في حماية المجتمعات والأوطان ولتصحيح الصورة الذهنية الخاطئة عن ديننا الحنيف ورد شبهات المشككين فيه, مضيفا أن حمل الأطفال للسلاح واعتناقهم للفكر المتطرف يشوه مقاصده الدين الحنيف والتي تتمثل في عبادة الله وتزكية النفس وعمارة الأرض حيث يحاول المتطرفون أن يقدموا الدين علي أنه نموذج للتخريب والهدم والتفريق والعداء المتواصل.