كنت بطريقي لأداء واجب خاص وحان وقت صلاة الجمعة فأخذتني قدماي إلي أقرب مسجد قابلته بالطريق, فسمعت من الخطيب عجبا, كلمات متناثرة يربطها كل برهة بجملة صل علي الحبيب, ثم مجموعة قصص وخزعبلات وأخطاء تاريخية, وأخذته الجرأة أن ينسب بعضها للرسول الكريم وصحابته, ناهيك عن كسره لقواعد اللغة العربية قاعدة قاعدة, خرجت من المسجد مستجيرا عقب انتهاء الصلاة مباشرة, وأخذت أحدث نفسي فيما آل إليه حال الخطاب الديني, شرد فكري قريبا وبعيدا حتي طرحت علي نفسي سؤالين, هل نستطيع ان نمتلك ناصية التجديد الخطابي وصياغة فقه يتواكب والعصر, ويعتمد علي اجتهادات تناسب زماننا؟! وإذا كان العلماء الأولون اجتهدوا وقدموا فقها يتناسب وعصرهم فهل علماؤنا عاجزون علي نهج السبيل وتقديم خطاب ديني وفقهي يعالج القضايا المستحدثة مع الاستفادة بما تركه الفقهاء القدامي؟! نحننعيش في خطاب ديني ثابت محفوظ, ما سمعناه بالأمس نسمعه اليوم, بكل ما فيه من شوائب وأخطاء وملل ورتابة حتي باتت خطبة الجمعة عبارة عن وصلة من العذاب بسبب عدم تفرغ أصحاب الخطاب الديني للجانب العلمي, وتفرغهم لأمور أخري!, إننا بحاجة إلي ثورة فقهية, تقدم إجابات شافية عن أسئلة العصر وتحدياته, من منظور إسلامي معاصر, فقد كان فقهاء الأمة السابقون أبناء مجتمعاتهم واحتياجاتها, وأبناء عصورهم وبيئاتهم, وتحديات تلك العصور والبيئات ومعطياتها, وهي بالتأكيد احتياجات وتحديات ومعطيات مختلفة تماما عن معطيات وتحديات عصرنا الذي يحتاج إلي فقه واجتهاد من نوع جديد, يضع حلولا لمشكلاتنا الآنية علي الطريقة الإسلامية. لقد أضفينا علي الفقه صفة القداسة وبتنا أسري للكثير من مكوناته مع أنه اجتهاد بشري, وحتي نخرج من هذا الأسر, ونفك تلك القيود, علي علمائنا أن يأخذوا بشكل الفقه والاجتهاد الجماعي حتي يستطيعوا مواكبة حجم التطورات العلمية والمعيشية في مختلف المجالات, أضف إلي ذلك امتزاج العلوم وتداخلها. لقد غير الفقهاء القدامي في آرائهم وفتاواهم وبدلوا فيهاوفق ما كان يطرأ أمامهم من تطورات ومستجدات, والأدلة كثيرة, والمرويات في هذا الشأن تملأ الكتب والمجلدات, واجتهادات الصحابة والتابعين كثيرة,ألم يجتهد ثاني الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في أداء صلاة القيام جماعة, وألم يعمل عليتعطيل حد السرقة في عام الرمادة, ألم يغير الإمام الشافعي الكثير من أحكام مذهبه بتغير مكان إقامته, وفي تعدد المذاهب الفقهية واختلاف الفقهاء حتي من أبناء العصر الواحد خير دليل, وأليس كل يؤخذ منه ويرد إلا رسول الله؟! لقد باتت حاجتنا ملحة إلي فقه جديدللقضايا المعاصرة يضاف إلي ما تركه فقهاؤنا القدامي من فقه غطي كل صور حياتهم, بل زاد عليها فيما يتخيلونه من صور عديدة. ولما أضحيالعلم الشرعي يعطي الجديد كل يوم في العلاقات بين الأفراد والجماعات والجديد من التصرفات وإبراز الكثير من الحقائق العلمية, ومن المستقر في علوم الشريعة الإسلامية أن كل عمل يقوم به الإنسان له حكمه الشرعي, وأما الأمور التي تتغير فيها وجوه المصلحة من عصر إلي عصر فتوضع لها قواعد عامة, وأصول تلتزم في بيان أحكام القضايا الجديدة, والواجب الشرعي يقتضي أن يجتهد الفقهاء في كل وقت لبيان الأحكام لما يجد في حياة الناس في كل المجالات, ومما يدعو للتفاؤل والاطمئنان أن الله تعالي حابانا بفقهاء معاصرين لديهم القدرة علي القيام بهذه المهمة, فقط كل المطلوب تهيئة المناخ لهم لبذل المزيد من الجهد لاستنباط الأحكام الشرعية لقضايا كثيرة جدت في حياة الناس.