عندما تحمل الكلمات نبض صاحبها وآلامه تكمن العبرة في سياق المأساة التي يعيشها صاحب القصة وفي قصة رسالة من قلب أم تلك التي كانت في حضرتة الموت وجدتني وأنا أقرأها وكأني أقرأ سطورا عني وعن الألم الذي يسكن قلبي مع الفارق أن ابنتي الوحيدة لم تفارقني بالسفر جحودا كما فعل ابن هذه السيدة الراحلة, ولكن ابنتي رحلت عني وعن الدنيا كلها وهي تلد طفلا تركته لي وماتت فجأة.. غادرتني يشتعل قلبي عليها وأنظر إلي حفيدي الصغير فأراها فيه وأتحدث إليها غير مصدقة أنها لم تعد موجودة. لا يتبادر إلي ذهنك أني قد أصبت في إيماني أو يقيني بالله ولكنه قلب الأم الثكلي يكتوي شوقا وألما.. وكما كانت هذه الأم ملتاعة من فراق ابنها, وغير مقتنعة أنه مات كنت أنا ألتاع لفراق ابنتي الوحيدة, ولكني أعرف في النهاية أين هي؟.. أذهب إليها حيث ترقد في مقبرتها وأجلس قبالتها بالساعات لا أمل.. أرتاح لقربها وكأني أستعجل دنياي حتي أرقد إلي جوارها ولكني أعود وبقايا الأمل تنبعث نورا في عيني وأنا أنظر إلي حفيدي فأحتضنها فيه وتعاودني أحاسيس الأمومة الأولي وكأن ثلاثين عاما من عمري المنقضي تلاشت وعاد إلي وهج الشباب في منتصف العقد الثالث غير أني هذه المرة أعجز عن إرضاع طفلي كأي أم ولكن شعورا كهذا أحسه وأنا أمسك ببرونة اللبن أسقيه منها..!! كنت احتمل حياتي من دون ابنتي بوجود صغيرها حتي جاء يوم قرر فيه أبوه أن يأخذه ليعيش معه وزوجته الجديدة.. قال إنه يريد ابنه يعيش في كنفه وألا يكون يتيم الأب والأم معا وأنه تخير لنفسه زوجة يحتسبها أما بديلة عن زوجته الأولي الراحلة.. ولم أستطع الرفض خاصة وأنه كان يأتيني بحفيدي كل بضعة أيام يقضي معي النهار كله ثم يأتي ويأخذه..!! وتقلبت بي الدنيا أكثر و أكثر عندما قرر زوج ابنتي الراحلة الهجرة خارج البلاد هو وزوجته الجديدة وبالطبع سوف يصطحبان حفيدي معهما. يوم السفر أحسست أن ابنتي تموت من جديد وأن الوقت حان حتي أذهب إليها حيث ترقد..!! غاب عقلي و تجمد الإحساس مني في قلبي وخضعت لجلسات علاج نفسي طويلة حتي استعدت شيئا من توازني مرة أخري.. واليوم أكتب لك بإحساس متجدد لألم الفراق وأنا أقرأ رسالة أم تتألم لفراق ابنها ولا تتألم من الموت الذي أحدق بها والدنيا التي توشك أن تفارقها فهمي وهمها واحد غير أنها ارتاحت برحيلها أما أنا فمازلت أنتظر وقت الرحيل, زوجي يحاول جاهدا الترفق بي ومساعدتي كي أتجاوز المحنة, ولكن اليأس قد تمكن مني وقتلني علي قيد الحياة. ت. م. القاهرة كل هذا الحزن يقطر ألما من كلماتك سيدتي يكاد يقتلك وكأنك تنتحرين نفسيا وتتعمدين الموت البطيء لا أمل لك غير لقاء مرتقب سيأتي حتما في يوم من الأيام بابنتك الراحلة, وبالتأكيد ما أنت فيه ليس منطقيا أو حتي نوعا من مشاعر الحزن العادية المتعارف عليها بين البشر.. صحيح أنت أم وحزن الأم علي فلذة كبدها لا يعادله حزن ولكن أيا كان الحزن وحرقة النار فيه لابد وأن يكون متناقصا بحكم طبيعة الحياة وما خلقها الله عليه فلو أن الحزن لا يتناقص وتنامي في نفوس البشر لما كان هناك استمرار للبشرية..!! من ناحية أخري ألم تدركي حكمة الخالق عز وجل فيما أرسله لك من تعويض فوري هو ولد الولد الذي أعز من الولد نفسه واحتضنت ابنتك بعد رحيلها رضيعة ورأيتها تكبر في قلبك وعينيك من جديد.. أليس في هذا ترياق لما بذره الحزن في قلبك؟ حتي أمر زوج ابنتك الراحلة وزواجه ومطالبته ليس في الأمر شيء يؤذي نفسك إلي هذا الحد القاتل فلسوف تظل حفيدتك تحيا وترينها وتحتضنين ابنتك فيها عندما تصبح عروسا وصدقيني وقتها ستملأ الفرحة قلبك وتقشع الحزن تماما. تمسكي يا سيدتي باليقين في الله ارتضي قدره عن إيمان راسخ وعقيدة لا تهتز فالحياة رغم طول القسوة فيها قصيرة تنقضي خاطفة لا يبقي منها غير لحظات استشعرنا فيها إما السعادة أو الألم فلا تجعلي للألم نصيبا غالبا في قلبك وتمسكي ببريق من أمل في لسعادة يطمئن به قلبك مستعينة بكلمات الله النورانية فقد قال عز وجل ألا بذكر الله تطمئن القلوب صدق الله العظيم وقال أيضا قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله.