الصبر نوعان, بدني ونفسي وكل منهما قسمان: اختياري واضطراري, فصارت أربعة: أ- بدني اختياري, كتعاطي الأعمال الشاقة. ب- بدني اضطراري كالصبر علي ألم الضرب. ج- نفسي اختياري كصبر النفس عن فعل مالا يحسن فعله شرعا ولا عقلا. د- نفسي اضطراري كصبر النفس عن فقدان محبوبها الذي حيل بينها وبينه. والبهائم تشارك الإنسان في النوعين الاضطراريين لكنه يتميز عليها بالنوعين الاختياريين, والصبر الاختياري أكمل من الاضطراري, فإن الاضطراري يشترك فيه الناس ويتأتي ممن لا يتأتي منه الصبر الاختياري, ولذلك كان صبر يوسف علي مطاوعة امرأة العزيز وصبره علي ما ناله من السجن أعظم من صبره علي ما ناله من إخوته لما ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبويه, وباعوه بيع العبد, ومن الصبر الاختياري صبره علي العز والتمكين الذي أورثه الله إياه فجعله مسخرا لطاعة الله ولم ينقله ذلك إلي الكبر والبطر, وكذلك كان صبر نوح والخليل وموسي الكليم والمسيح ومحمد, فإن صبرهم كان علي الدعوة إلي الله ومجاهدة أعداء الله ولهذا سموا أولي العزم, وأمر الله رسوله أن يصبر كصبرهم(( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل)) ونهاه عن أن يتشبه بصاحب الحوت حيث لم يصبر فخرج مغاضبا قبل أن يؤذن له(( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت)) ولهذا دارت قصة الشفاعة يوم القيامة علي أولي العزم حتي ردوها إلي خيرهم وأفضلهم وأصبرهم. واعلم أن الصبر المتعلق بالتكليف وهو صبر إما علي الطاعة أو عن المعصية أفضل من الصبر علي مر القدر فإن هذا الأخير يأتي به البر والفاجر والمؤمن والكافر فلابد لكل أحد من الصبر علي القدر اختيارا أو اضطرارا, أما الصبر علي الأوامر وعن النواهي فهو صبر أتباع الرسل, والصبر علي الأوامر أفضل من الصبر عن النواهي لأن فعل المأمور أحب إلي الله من ترك المحظور والصبر علي أحب الأمرين أفضل وأعلي. والحديث موصول.