لم يتوقف الجدل الذي أحاط بمشاركة الفيلم المصري البر التاني في المسابقة الدولية الرسمية للدورة38 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي(15 24 نوفمبر الماضي), سواء فيما يتعلق بجدارته بتمثيل مصر في تلك المسابقة, أو ما يخص المقارنة التي عقدها البعض بين اختياره واستبعاد الفيلم المصري الآخر, الأفضل من وجهة نظرهم, آخر أيام المدينة. كما أثير الكثير حول منتج الفيلم وبطله المقاول محمد علي, خاصة ما ردده البعض من أنه بيمثل بفلوسه, إلي درجة أنه أنفق27 مليون جنيه ليقوم ببطولة هذا الفيلم الذي لا يضمن أن يجني أرباحا لأنه يناقش قضية جادة ولا يشارك في بطولته أي نجوم, ويعتمد فقط عليه وعلي بعض الوجوه الجديدة وممثلي الأدوار الثانية.. وتجاهلوا أن إنتاج أي فيلم جديد, خاصة إذا كان جادا ولا ينتمي لنوعية الراقصة والبلطجي والمطرب الشعبي, يصب في صالح الصناعة, والسينما المصرية بشكل عام. آخر ما كتبه البعض عن الفيلم, هو أن الثنائي, المكون من المخرج علي إدريس والسيناريست زينب عزيز, متخصص في الكوميديا الرومانسية والأفلام الخفيفة بشكل عام, وكان من الأفضل أن يتجنب قضية جادة وشائكة مثل الهجرة غير الشرعية!! كأن الفنان ملزم بالاستمرار في تقديم لون معين طوال حياته, وليس من حقه أن يطرح ما يشاء من قضايا وأفكار. هنا لقاءات مع صناع الفيلم وأبطاله يجيبون خلالها علي كل التساؤلات التي أحاطت بالعمل وبهم أيضا. بعد عدة تجارب سينمائية اعتمدت أغلبها علي عنصر الكوميديا مثل عصابة الدكتور عمر, بابا, والداده دودي وغيرها من الأعمال, قرر علي إدريس أن يناقش قضية شائكة مثل الهجرة غير الشرعية, إلا أنه فوجئ بسيل من الهجوم نظرا لعدم جودة الأداء التمثيلي وتفاصيل أخري تحدثنا معه حولها في هذا الحوار: قابل الفيلم نقدا شديد اللهجة كيف استقبلت هذا النقد؟ بعض النقاد في مصر يريدون أفلاما معينة في خياله ومن تصوره فقط, وعندما يشاهد ولا يجد ما كان يريده يعتبر هذا تعديا علي خياله, فيشعر بصدمه ويستشاط غضبا ويبدأ في توزيع الاتهامات جزافا, وعن نفسي حتي الآن لم أجد نقدا موضوعيا لفيلمي, وما قرأته مجرد انطباعات للفيلم ليس لها علاقة بالنقد السينمائي, فلا يجب أن يكون النقد سطحيا لدرجة الشتيمة, لدينا أداء لثلاثين ممثل لم يتحدث أحد عن واحد منهم, المؤثرات الصوتية, التكنيك والحركات والأكشن والتصوير كلها أمور كان يجب أن تأخذ في اعتبار أي ناقد, كنت أتخيل أن هناك تطورا لدي بعض النقاد ولكني وجدتهم يتحدثون بلغة الثمانينات ولا علاقة لما كتب بفيلمي. هذا يعني أنك تري أن النقد ظلم الفيلم؟ ليس ظلما وإنما من الجائز أن يكون الناقد غير متفهم لحالة الفيلم أو أنه أعتاد شكل معين من السينما يراها باستمرار ومعتاد الكتابة بهذه الطريقة أو أن شكل الفيلم بالنسبة له غير محبب بهذه الطريقة والتكنيك. ألا تخشي أن يؤثر هذا النقد علي الفيلم بالسلب؟ لا يحدث ذلك, الناقد يقول انطباعه وإحساسه ولكنه لا يمتلك التأثير علي الجمهور إطلاقا, فهناك العديد من الأفلام التي هوجمت بشكل كبير رغم مستواها الراقي ولكنها حققت نجاحا كبيرا وأجبرت النقاد بعد عشرات السنين الكتابة عنها بشكل جيد مثل فيلم الزوجة الثانية الذي هوجم وقت عرضه. كيف رأيت دخول محمد علي مجال الإنتاج وما النصيحة التي وجهتها له؟ قلت له هذا العمل تكلفته عالية ولكنه أصر بعد أن قرأ الورق, وهذا ليس الورق الوحيد الذي قرأه محمد علي فقد سبق هذا السيناريو عدد من السيناريوهات ولكنه قال لي جميعها يحمل موضوعات متشابهه فرفضها جميعا وأصر علي البر التاني وتحمس له وأنا كنت أعلم أن هذا السيناريو تحديدا لن تتحمس له شركات الإنتاج لظروف السوق ولكن محمد أختاره وقرر إنتاجه لأنه رأي أنه يقدم رسالة. من بين أسباب النقد هو ترشيح محمد علي للبطولة فهل هو من رشح نفسه لهذا الدور لكونه المنتج؟ هو أبدي لي رغبته في التمثيل وعندما قال لي عايز أمثل الدور ده كنت أخشي ألا يكون مناسبا له, ولكن بعدما شاهدت تجارب سابقة له ووجدت إصراره وحماسه الشديد لأداء الدور اقتنعت به وقررت أن أغامر بتقديمه في البر التاني, خاصة أن الدور بسيط ليس به تعقيدات أو يستلزم قدرات تمثيلية خاصة أو أبعاد درامية معينة, كما أنني لست بحاجة في هذا الدور إلي ممثل يحمل سنوات من الخبرة لأن الدور بسيط. لكن ما تعليقك علي أنه يمثل بفلوسه؟ لا يمكن أن يصل أي إنسان للجمهور والنجومية إلا إذا كان موهوبا بالفعل, ولو عدنا بالذاكرة تم إنتاج فيلم المعجزة: للفنانتين شادية وفاتن حمامة وجاءت شركة الإنتاج بممثل جديد أسمه عمر الترجمان, له بعض التجارب السابقة واعتقد حسن الإمام أن وجود النجمتين كفيل بنجاح العمل ولكنه لم ينجح وهذا يؤكد أن السينما لا تستوعب غير الموهوبين. هل كل موهوب يمكن أن يكون نجم شباك؟ معك أن نجم الشباك له مواصفات أخري بخلاف موهبته, ويمكن أن يكون نجم الشبك غير موهوب, فصلاح قابيل لم يكن نجم شباك ولكنه كان صاحب موهبة كبيرة, واستمرار ونجاح محمد علي متوقف علي اختياره للموضوعات التي سيقدمها بعد ذلك. مشهد السفينة كان قريب الشبه بغرق سفينة تايتنك, لماذا أتبعت نفس الطريقة؟ ليتني كنت أستطيع عمل نفس التكنيك, مركبي كانت متهالكة تحمل أشخاصا بؤساء عندما تسربت إليها المياه حاولوا سد مكان التسريب, وقد سألت متخصصين في ذلك, وعرفت أنها تغرق عندما تملؤها المياه وبحسب قوة دفع المياه من الممكن أن تغرق خلال ربع ساعة أو ساعتين أو ثلاث وهي تبدأ في الميل وهذا ما صورته هندسيا وصورت الناس بكل أحوالها في هذه الحالة فهناك من يقوم بالقفز وهناك من يخاف إضافة إلي حالة من الهرج وهذا ما يحدث في مثل هذه الحالات, وما فعلته هو المنطقي ويحدث في إي حالة غرق لمركب, وبالتالي لم أقلد'تيتانيك'. محمد علي: لن أكرر تجربة الإنتاج واستمراري متوقف علي استقبال الجمهور لماذا تحاسبونني علي إنتاج فيلم في وقت تهرب فيه المنتجون؟ وجه جديد يتصدر أفيش فيلم سينمائي مشارك في مهرجان القاهرة الدولي, إلي جانب كل الدعاية المكثفة المنتشرة في شوارع القاهرة, الكل يسأل: من هو؟, وكانت الإجابة في افتتاح الفيلم بالمهرجان إنه الفنان الشاب محمد علي الذي قرر أن يقدم نفسه للجمهور بإنتاجه الخاص من خلال قضية الهجرة غير الشرعية لماذا اخترت هذه القصة لتقتحم بها السينما؟ هذا الفيلم الأول الذي يناقش قضية الهجرة غير الشرعية بشكل عام, وعندما فكرت في دخول الإنتاج لم يكن يعنيني في المقام الأول إلا احترام المشاهد والأسرة بأكملها وهذا واضح من خلال العمل التي لا يوجد به أي لفظ يخدش الحياء, وقبل هذا السيناريو قرأت العديد من الأعمال, ولكنني وجدتهم يناقشون موضوعات عادية تطرقت لها السينما من قبل, وكان سيناريو زينب عزيز مختلفا يناقش قضية كبيرة ومهمة جدا بالنسبة للشباب وهو ما كنت أريد التلامس معه, خاصة أن الهجرة غير الشرعية مشكلة مجتمعية أردت من خلالها أن أدق ناقوس الخطر. ما تعليقك علي الانتقادات الموجهة لك حول أنك دخلت عالم السينما بأموالك؟ بداية عندما تشاهدون فيلما أجنبيا, هل تسألون من المنتج, اعتقد هذا سؤال لا يأتي علي بال أحد علي الإطلاق, إذا لماذا تسألونني وتحاسبونني كمنتج وتتهموني بأني أصنع نجوميتي بالأموال أعتقد من يسأل هذا عليه أولا مشاهدة الفيلم ليقيمني كممثل ويزيح من خيالة أو يتناسي أنني المنتج, هل سأذهب إلي دور العرض لأرشي كل متفرج لكي يخرج ويشكر في قدراتي ككمثل ويمتدحني, أعتقد التقيم الأهم هنا هو الجمهور الذي لا يستطيع احد أن يغشه أو يشتريه بأمواله, وأيضا قبل أن تسألونني لماذا أنتجت أسألوا المنتجين الذين توقفوا عن الإنتاج بعد الثورة وفي أشد احتياج الفن لهم أبتعدوا بأموالهم بعيدا حتي لا يخسرون. هل تعتقد أن الفيلم سيكون له تأثير في حل هذه الأزمة؟ نحن نلقي الضوء علي مشكلة كبيرة, فالفيلم يقدم صرخة من الشباب للالتفات إلي مشاكلهم, كلنا نسعي لتوصيل صوتهم إلي المسئولين فقط في محاول لإيجاد حلول سريعة لمشاكلهم وفي مقدمتها حالة البطالة التي يعاني منها الشباب وتدفعهم للهجرة غير الشرعية. قابل الفيلم نقدا شديدا أيضا بسبب المستوي الأقل تمثيليا كيف استقبلت ذلك؟ هناك جمهور لا أستطيع التأثير عليه بأموالي ولن يستطيع الناقد التأثير عليه أيضا برأيه الشخصي, وأنا في المقام الأول أنتظر رأي الجمهور لأنه البوصلة الحقيقية لأي فنان وهو القادر علي إبقاءه أو القضاء عليه فنيا, لقد دخلت عالم السينما وأنا لا أعرف أحد فيها جيدا حتي المخرج الكبير علي إدريس لم يكن لي به سابق معرفة. ولماذا انفردت بالأفيش التي تصدر دار الأوبرا خلال فترة المهرجان.. ؟ لم أتعمد الانفراد بالأفيش ولكن كان نوع من التحدي واستفزاز للجمهور عندما يجد ممثل جديد يتصدر أفيش عمل إنتاجه25 مليون جنيه وفي ظني هذا قد يدفع الجمهور للمشاهدة ليعرف حقيقة هذا الفنان وما إذا كان يستطيع تحمل عمل كبير أم لا وإن كان لديه من الموهبة ما يحمله مسئولية ذلك أم لا, كل ما في الأمر أردت جذب الجمهور لممثل شاب جدبد وماذا عن الإنتاج القادم وهل سيكون هناك تجارب قادمة؟ فيما يخص الإنتاج أعتقد إعادة التجربة غير واردة لأن هذا العمل أستهلك ما لدي من طاقة إنتاجية وماذا عن التمثيل؟ هذا متوقف علي استقبال الجمهور لي كممثل هو الذي سيحدد إن كان لي قادم أم لا في عامل التمثيل وهوم الذي سيدفع بالمنتجين للاستعانة بي في أعمالهم وأتمني لو تم استقبال الجمهور لي بشكل جيد أن أجسد الأعمال التي أحبها والأدوار التي أتمني تجسيدها. زينب عزيز: الشباب يفضل الموت في البحر علي حياة البؤس بعد سبع سنوات من حفظه في الأدراج قررت المؤلفة زينب عزيز تنفيذ سيناريو فيلم البر التاني بعدما كانت قد فقدت الأمل في تقديمه بسبب ثقل القضية التي لم يتغير فيها شيء طوال هذه المدة فنفس الأشخاص يرون ضحايا الهجرة ويصرون علي السفر هربا من الفقر حسب ما أكدت زينب في هذه السطور:- لماذا تطرقت للكتابة عن الهجرة غير الشرعية الآن؟ كتبت قصة الفيلم من سبع سنوات, وفي تلك الفترة كانت حوادث الغرق بسبب الهجرة غير الشرعية كثيرة وتناولتها كل الصحف, وقمت بمتابعة الأحداث وتابعت الشباب الذين لجئوا إلي الهجرة من قري بسيطة من خلال الكاتبة غادة عبد الحافظ التي تولت ملف الهجرة بإحدي الصحف والتقيت بهم وتحدثت معهم وعرفت دوافعهم للهجرة من مصر ورأيت مدي إصرار البعض علي السفر بالرغم من تحذيري ونصحي لهم حتي أن أحدهم قال لي الموت أهون من حياة الذل والفقر التي نعيشها هنا, وظل السيناريو بالأدراج ولم أعقد عليه أملا كبيرا في خروجه للنور لأنني أعلم جيدا أنه يحتاج إلي إنتاج ضخم حتي جاء محمد علي واختار السيناريو ليقدمه, وشعرت وقتها وعلي إدريس أننا بحاجة لتقديم سينما مختلفة غير حريم كريم وكلام في الحب وعصابة الدكتور عمر. كيف كان شعورك حينما وجدت إصرار الشباب علي السفر مرة أخري؟ حزنت كثيرا وقتها ومازلت أحزن علي شباب مصر الذي يذهب ولا يعود ويفضل الموت علي الحياة في وطنه الفقير, لقد أكشفت أنهم يضطرون لبيع كل ما يمتلكون من أجل السفر. وما الرسالة التي يحملها السيناريو للجمهور؟ بداية أنا بالفعل متعاطفة مع الشباب الذي حاول السفر لأن ما سمعته من حكايات بائسة في القري التي خرج منها هؤلاء الشباب منعتني من سؤالهم عن أسبابهم وسعيهم خلف الهجرة خاصة بعد أن سألت أحد الشباب الذي حاول الهجرة وتم القبض عليه ماذا ستفعل في حياتك رد قائلا سأحاول مرة أخري. وعندما قلت له أما ستغرق أو سيقبض عليك قال أفضل مما أنا فيه الآن. فلم أستطع الرد عليه ورسالتي التي أريد أن أقولها بأنه وبرغم تعاطفي مع هؤلاء الناس أريد أن أقول لهم ليس الحل في الهجرة لأن نهايتها مؤسفة حقا, أنا أعرض القضية لكي توفر الجهات المعنية حياة كريمة لهؤلاء الشباب وتوفر بيوتا حقيقة لأهاليهم وفرص عمل وقتها لن يبحث الشباب عن الهجرة غير الشرعية وتختفي لظاهرة, وأتمني أن يحدث ذلك بسرعة لنأكد أن السينما تتطرق لموضعات وتساهم في حلها بشكل حقيقي, كما عرضت حسن شاه في أريد حلا غيرت قانون الأحوال الشخصية بفيلم. وأنا شخصيا مقتنعة أن الفن يمكنه تغير واقع نعيشه للأفضل وأنا الفت نظر الجهات المعنية لؤلاء الشباب لتوفير فرص عمل لهم وحياة كريمة هل كتابة السيناريو منذ سبع سنوات دفعتك لإجراء بعض التعديلات عليه؟ عندما قرأت السيناريو لم أجد جديد طرأ علي موضوع الهجرة, فهي نفس الأسباب والمعاناة والمشاكل التي تؤدي لنفس النتائج, عندما كتبت السيناريو كان سعر الدولار7 جنيه ونصف وسعر الذهب أيضا لم يتغير, ومن خلال هاتان التفصيلتان في سعري الدولار والذهب أردت القول أن هذه المشكلة منذ زمن ولم تحل حتي الآن. عمرو القاضي: الفيلم كشف جرحا وعلي المسئولين أن ينتبهوا قال عمرو القاضي أحد ابطال فيلم البر التاني إنه سعيد بهذه التجربة التي جسد من خلالها أحد الشباب الذي قرر السفر عن طريق الهجرة غير الشرعية للبحث عن الرزق بسبب ظروفه الاقتصادية وأشار إلي أنه قدم نموذج للشاب المكافح الذي لم يكن يسعي للسفر ولكن ظروف الحياة هي التي أجبرته بعد أن ضاعت منه أرضه وأشار القاضي إلي أنه قدم الدور وتأثر به فعلا وتعاطف مع الشباب ولكن القضية ليست في فيلم أو دور لأنهم لن يستطيعوا أن يمنعوا الشباب من السفر والمحاولات المتكررة, نحن فقط نفتح جرح والعمل أظنه مقدم للمسئولين وليس للشباب, للأسف الشباب وأنا منهم أصبح لديهم يقين أن أرضهم لفظتهم وأستقبلهم البحر وأصبح لا يوجد لديه ما يبكي عليه وأصبحت روحه أرخص شيء يمكن أن يضحي به, وأري أن الحكومات هي المسئولة, واعتقد الفيلم يقف مع الشباب ولكنه لم يمنعهم ولن يقف أمام هذه الظاهرة المميته. واعتبر القاضي البر التاني خطوة مهمة وجرئية في حياته الفنية وقال: دائما أتمني أن تكون خطواتي الفنية كلها جرئة وأعمال تفيد وهادفة.