و قعت الواقعة. كذب المستطلعون والمتنبئون والمحللون. حدث كل ما يتنافي ظاهريا مع المنطق. فاز بمنصب رئيس أكبر دولة في العالم شخص متعصب عنصري في خطابه. متهم بالاغتصاب. عديم الخبرة تنفيذيا وسياسيا. منبوذ حتي لحظة إعلان فوزه من النخبة المتنفذة في الحزب الذي ينتمي اليه والتي نأت بنفسها عنه. أن يفوز شخص تقف ضده كل هذه المعطيات فإن ذلك يعني أن زلزالا قد وقع في الولاياتالمتحدةالامريكية وأن علي العالم ترقب هزاته الارتجاجية التي سوف تطال الجميع. للشعوب منطقها الخاص بها والذي يتناقض أحيانا مع القواعد التي يضعها المنظرون للمنطق. والشعب كأفراد تحكمه مصالح ومشاعر وعواطف ورغبات ومن يريد الفوز عليه التوصل الي مفتاح التعامل مع هذه الأمور. خطاب ترامب الذي جاء من خارج المؤسسة تحدث ولامس ودغدغ هذه المصالح والمشاعر والعواطف والرغبات فكان التصويت لصالحه. دخل ترامب حلبة السعي لترشيح الحزب الجمهوري له بمنطق الكاوبوي الذي اتضح أنه لا يزال يعيش تحت جلد شريحة كبيرة من الأمريكيين. وكأي كاوبوي فقد نحي جانبا كل اعتبارات البروتوكول واللياقة والكياسة والدبلوماسية واتسم بالفظاظة التي اتضح أنها وجدت صدي طيبا لدي جمهوره. كان السلوك ولغة الخطاب مجافيا لكل ما يفترض ظاهريا أن يجتذب الناخب وألا ينفره. لكن ما أسفرت عنه الحملة أثبت أن ذلك كان استجابة لمكنون. ومع التلاقي بين النهج والمكنون شق طريقه باصرار ودأب الي أن وصل الي البيت الأبيض. من المبكر بالطبع تحليل ما حدث وتوقع ما يمكن أن يحدث. وأي تحليل وتوقع يجب أن يكون محكوما بمنطق الشعب الأمريكي نفسه وليس علي أساس ما يراه الآخرون أو كانوا يتمنون حدوثه أو عدم حدوثه. صحيح أنه عندما يعطس سيد البيت الأبيض فإن العالم كله يصاب بالزكام لكن سيد البيت الأبيض ليس مسئولا أمام هذا العالم وإنما أمام الشعب الأمريكي. وهذا الشعب الأمريكي هو الذي انتخب ترامب رغم أو ربما بسبب عنصريته وتعصبه وبغض النظر عن اتهامات الاغتصاب وبغض النظر عن انعدام الخبرة التنفيذية والتجربة السياسية. تصرف ترامب كمقاول يري أن كل شيء لا بد أن يكون له مقابل وأن من يريد أن تحميه أمريكا عليه أن يدفع مقابل هذه الحماية وهو خطاب موجه ليس فقط لدول الخليج وإنما أيضا لأوروبا واليابان. مثل هذا المنطق يؤمن به الأمريكيون. ما يمكن قوله في هذه المرحلة هو أن ترامب استخدم الشعبوية في دغدغة مشاعر الجماهير وهو خطاب قادر علي اقناع شريحة كبيرة من الشعب غالبا ما تشكل الغالبية. يردد الأمريكيون مقولة يوم آخر يعني دولارا آخر وقد نجح ترامب في التعامل معها. الأمريكيون غير معنيين بالعالم خارج أمريكا الا بقدر استفادتهم منه وهذا ما تعنيه السياسة الخارجية بالنسبة لهم. صحيح أن التوجهات والقناعات والأفكار الشخصية للرئيس في بلد مثل الولاياتالمتحدة تلعب دورا في توجيه الأمور. لكن الصحيح أيضا أن الرئيس الأمريكي لا يستطيع الخروج عن الإطار العام للمؤسسة وأن التوازن بين سلطات الرئيس وسلطات الكونجرس يبقي دائما رمانة الميزان. انطلاقا من الولاياتالمتحدة يمكن ملاحظة تنامي الخطاب الشعبوي في أوروبا وما يحققه أصحابه من مكاسب لعل آخرها كان تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي وما يحدث داخل أوروبا نفسها من نجاحات في الانتخابات سواء كانت برلمانية أو بلدية ونموذجها ما تحققه الجبهة الوطنية بزعامة ماري لوبان في فرنسا. ترامب نجح في القراءة الصحيحة في الوقت المناسب لما يريده الشعب. لا تخطئوا قراءة الشعب.