تكلمنا سابقا عن التوبة والإخلاص اخترت ان أشبهم تشبيها جميلا كي يقرب المعني فشبهت الانسان وعمره الذي يعيشه بمبني كبير له اساس قوي وهو التوبة عن ما مضي والإخلاص لله في اعمالنا وسنبني من اليوم فوق هذا الأساس المتين اثني عشر طابقا إذا تم بناؤها جيدا استقامت البناية وعاشت معنا صلبة حتي نهاية العمر واعتبر أن هذه البناية هي الجسر الذي به نعبر إلي بر الأمان أما الدور الأول في البناية الذي سنبنيه اليوم فهو تحقيق صفات المؤمنين فينا التي اخبرنا الله بها في كتابه حيث يقول سبحانه( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) ومعني الخشوع أي سكنت جوارحك وذللت لله ولن يأتي هذا الخشوع إلا إذا فرغت قلبك من عوارض الدنيا قبل دخولك للصلاة, ومن علامة خشوعك في الصلاة عدم الالتفات والا تسرح بخيالك بعيدا وأن تشعر وكأن جوارحك وقلبك مع الله, أما الصفة الثانية( والذين هم عن اللغو معرضون) أي عن الباطل والكلام الذي لا خير فيه, فالمؤمن الحق ليس به صفة اللغو كما قال سبحانه( وإذا مروا باللغو مروا كراما), أيضا من الصفات( والذين هم للزكاة فاعلون) والمراد بالزكاة مطلق الإنفاق في سبيل الله لأن الزكاة الشرعية المحددة النصاب لم تفرض إلا في السنة الثانية للهجرة وكان آيات مكية تأمر بالإنفاق مثل( وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) ومن الصفات( والذين هم لفروجهم حافظون إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون) فوصفهم الله بأنهم يحافظون علي فروجهم من الحرام, فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من الزنا واللواط وكل ما هو محرم, فلا يقربون إلا أزواجهم التي أحلها الله لهم وإلا فهم الذين تعدوا حرمات الله ثم قال( والذين هم لآمانتهم وعهدهم راعون) وهؤلاء هم أصحاب الأمانات الذين إذا ائتمنهم شخص لم يخونوه بل يؤدون الأمانة في وقتها لأن الله يحب الذين يوفون بالعهود, فليس هناك حاجة إلي أن أحضر ورقة وشهود حتي أعطيك مالي, بل يكفي أن أعلم أن فيك هذه الصفة حتي أعرف أنك مؤمن ثم قال سبحانه( والذين هم علي صلواتهم يحافظون) وهؤلاء عندما يسمعون الأذان يتركون كل شيء ويذهبون للصلاة, ولقد أخبرني شاب أن حياته متعثرة ومليئة بالهموم, فقلت له أخبرني عن صلاتك, قال وما علاقة ذلك بتلك؟ فقلت إن الفلاح دائما يأتي بعد الصلاة, ألم تسمع المؤذن وهو يقول حي علي الصلاة حي علي الفلاح, فدائما يأتي الفلاح بعد محافظتك علي الصلاة, وللأسف الذي يتهاون بتأخير الصلاة, يتأخر في الكثير من أمور حياته, فالصلاة هي صلة بين العبد وربه, فإذا انقطعت الصلة فمن يكون للعبد بعد الله غير الشياطين! ثم يختم سبحانه( اولئك هم الوارثون) بمعني إذا حققتم هذه الصفات تستحقون أن ترثوا, ماذا سنرث يارب!( الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) سنرث الجنة برحمة الله إذا اتبعنا منهج الله وسرنا علي الخطوات التي ذكرناها كما قال سبحانه( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون), ومن صفات المؤمنين أيضا قوله تعالي( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم, وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلي ربهم يتوكلون, الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون, أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) هنا المؤمن الحق من يخاف قلبه ويخضع إذا ذكر الله خوفا من عقابه وإذا قرئت عليه آيات القرآن يشعر معها بحلاوة الإيمان فيرتقي, وهذا هو حال المؤمنين فهم يعتمدون علي ربهم لا يرجون غيره ولا يخشون سواه فهم يقيمون الصلاة بخشوعها وحضور قلوبهم وينفقون من مال الله الذي آتاهم في وجوه البر المختلفة, وهؤلاء يشهد الله لهم بصدق الإيمان ولذلك أعد لهم الدرجات العلا وفوقها مغفرة الله وعفوه, بل زادهم برزق طيب في الجنة, فهل يا تري حققنا صفات المؤمنين فينا فكنا من عباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا أخوتي في الله هي أعمارنا تمر بسرعة البرق فهل نغتنم لحظاتها ونتمسك بمنهج الله كي نعبر بسلام لبر الأمان ونسعد بالجنان والفوز بجنة الرحمن.