في عام1866 أصدر الخديوي إسماعيل مرسوما بإنشاء مجلس شوري النواب, قبل أن تعرف أي دولة في إفريقيا والعالم العربي ما هو التمثيل النيابي, بل لم تكن كثير من الدول التي تملأ الدنيا الآن ضجيجا قد وجدت بالفعل وأصبحت لها حدودا ودستورا وراية ترفرف علي مبانيها, وضم أول مجلس نيابي76 من الأعيان والعمد, كان دورهم مناقشة الحكومة وقراراتها ومراجعة ميزانيتها, وجاء هذا المجلس الذي أسس وفق النمط الغربي الحديث في إقامة المؤسسات التشريعية المنتخبة لتعبر عن مصالح المواطنين ورؤيتهم بعد تجربة برلمانية بدأها محمد علي باشا عام1824 بإنشاء المجلس العالي, وكان يتكون من نظار الدواوين ورؤساء المصالح واثنين من الأعيان من كل مديرية يقوم أهالي المديرية بانتخابهما. تطورت الحياة النيابية ونضجت خلال قرن ونصف القرن, وتغير اسم مجلس شوري النواب إلي مجلس النواب ثم مجلس الأمة في عهد الرئيس جمال عبدالناصر, إلي مجلس الشعب في عهد السادات, وعاد في الدستور الجديد إلي مجلس النواب, كما شهد المجلس مواقف مشرفة سجلها التاريخ لنوابه, ومواقف جعلت سمعته علي المحك كنواب الكيف والتهريب في عصر الحزب الوطني المنحل, كما تعرض المجلس لتربص السلطة التنفيذية به مما عرضه للحل مرات متعددة في ظل الحكم الملكي والاحتلال البريطاني, وتم حله أيضا لعدم الدستورية في1987, و1990, و.2012 وظل التمثيل النيابي حكرا علي الرجال دون النساء نحو90 عاما حتي انتخبت راوية عطية( نجحت من الجولة الأولي) وأمينة شكري( نجحت في جولة الإعادة) في مجلس الأمة عام1957, وبعدها لم يخل مجلس من المرأة حتي وصل عددهن في المجلس الحالي إلي90 سيدة من بين596 عضوا يمثلون19 حزبا,40% منهم من الشباب, بالإضافة إلي ضم ممثلين عن المصريين بالخارج وذوي الاحتياجات الخاصة, وهو ما استدعي إشادة الرئيس السيسي بهذا المجلس واعتباره ضمانا لتمثيل كل فئات الشعب به. وقد احتفلت مصر الأسبوع الماضي بمرور150 عاما علي بدء الحياة البرلمانية في مصر وإفريقيا والشرق الأوسط, وتم الاحتفال في شرم الشيخ, مدينة السلام, بمشاركة وفود من48 دولة, وبحضور أعضاء البرلمانين العربي والإفريقي, في جو من الأمن والأمان رغم محاولات تكدير الجو بإطلاق بعض الدول الغربية تحذيرات من وقوع أعمال إرهابية وتحذيرها لرعاياها المقيمين بمصر, لكن كما شاهد العالم كله, نجح التنظيم, ونجحت قوات الشرطة في فرض النظام وتوفير الأمن للمشاركين, ليستمتعوا بأجواء الاحتفال, وانعكس ذلك علي وجوه الحاضرين وكلماتهم التي حملت الكثير من الود والتقدير لمصر ولتجربتها النيابية الرائدة. وقد أكد الرئيس السيسي في كلمته التي ألقاها في الاحتفال أن أعضاء المجلس قادرون علي اتخاذ القرارات الصعبة التي تحافظ علي أمن البلاد وتحقيق النهضة الاقتصادية المنشودة, والاستمرار في إعلاء المصالح العليا للوطن وممارسة سلطتي التشريع والرقابة بكل نزاهة وتجرد, وأن تكون قضايا التعليم والصحة والشباب والمرأة ومحدودي الدخل علي قمة أولوياتهم. أما الدكتور علي عبدالعال, أستاذ القانون الدستوري, الذي يرأس مجلس النواب في دورته الحالية, والذي تقع علي عاتقه مسئوليات كبري, فقد أكد في كلمته أن الحياة النيابية لا تسترجع ماضيها وكفاح شعبها عن طريق الديمقراطية فحسب, بل تبث رسائل للعالم بأسره تؤكد أنها ماضية في طريقها, مدافعة عن قيمها, متمسكة بثوابتها, ودعا عبدالعال القوي الإقليمية والدولية التي تتدخل بغير وعي في شئون المنطقة مدفوعة بمصالحها, إلي الانخراط في حوار جاد يستهدف إعادة الاستقرار إلي ربوع المنطقة والحفاظ علي مؤسسات دولها من خطر التفكك. تحية إلي البرلمان المصري, وتحية إلي نوابه ممثلي الشعب, ودعواتنا لهم بالتوفيق وحسن اختيار القضايا التي تستحق اهتمامهم, آملين أن تحقق مصر ما تصبو إليه في ظل القيادة السياسية الوطنية, وتحيا مصر.