للشعوب والأمم ذاكرة تمتلئ بالتجارب والخبرات منها ما هو مأساوي وحزين به كبوات وانكسارات وتحديات كبيرة, ومنها ما هو مبهج ومصدر للزهو والافتخار نظرا لما به من إنجازات وانتصارات وملاحم تاريخية في مواجهة التهديدات والتحديات التي تنوء بحملها الجبال.. هذه الأحداث الجسام والمواقف الصعبة والتي قد تدخل في دائرة المستحيل هي بمثابة مصدر الطاقة الذي يشحذ الهمم وينهض العزائم لمواجهة التحديات التي تواجه هذه الشعوب ومنحهم القدرة علي المثابرة والاحتمال للأزمات والأوقات الصعبة..حرب أكتوبر1973 من الملاحم التي غيرت ليس فقط التاريخ المصري والعربي ولكن أيضا علي المستوي الدولي, لقد كانت معركة مع المستحيل والتي أثبت فيها المصريون لأنفسهم والعالم أن إرادة الإنسان قادرة علي كسر وقهر المستحيل, وأن الشعوب هي التي تصنع حاضرها ومستقبلها وتغير واقعها إلي ما ترضاه وهو الأفضل..ذلك ما حدث في73 حيث رفض المصريون الهزيمة وتجرع مرارتها فشحنوا هممهم ولم يأبهوا لما يمكن أن يترتب علي هذه من ويلات وما روجت له أبواق الإعلام الإسرائيلي من الثبور وعظائم الأمور لمن مجرد أن يجرؤ علي التفكير في هذه وهو ما ذهبت وراءه أبواق الدعاية الغربية التي راحت تعدد مدي قوة ذلك المانع المائي وتحصينات خط بارليف واستحالة عبورها وأن مياه القناة سوف تتحول إلي جحيم تتلظي فيه أجساد المصريين..وعلي الرغم من كل هذه الأصوات المحبطة والمثبطة للهمم والتي تطوق الأرواح بهالات من اليأس والقنوط هدر المصريون كسيل العرم وجرفوا كل دعاوي الغرور والتغطرس وأطاحوا بأسطورة الجيش الذي لا يقهر تماما كما أطاح القائد قطز بغرور وغطرسة الجيش التتاري الملقب بالجيش الدهري الذي تحطم علي صخرة إرادة المصريين وقطع دابرهم للأبد وتحول وجه التاريخ والإنسانية..هذه هي إرادة المصريين التي تغير وجه التاريخ وتقهر المستحيل, وهي التي يتم الرهان عليها في وقت لأزمات والمحن, هي إرادة مصدرها إيمان راسخ بالله سبحانه وتعالي وبوعوده الحقة في تأييده لكل مجتهد وصاحب حق..لقد كانت حرب أكتوبر حرب معجزية بكل المقاييس حيث تغيرت قواعد وسنن المألوف وفرض المصريون أجواء هذه الحرب علي الإسرائيليين فأقرأ ما كتبه سفران بصدد هذه الحرب وما فعله المصريون فكتب يقوللقد استطاع الجيش المصري أن يفرض أجواء المعركة وقد وجدت إسرائيل نفسها امام معركة قد اعدت مسبقا وهو ما يعني أن زمام المبادرة قد كان في يد المصريين, وقد وجد الإسرائيليون أنفسهم أمام معركة لم يكن لهم يد فيها قد فرضت عليهم قواعدها..تلك هي الروح التي أعدت العدة لحرب اكتوبر وخاضتها دون أي تردد بعناد وإصرار شديدين وعزم لا يلين, وكانت هذه هي أدوات الحرب الحقيقية التي تفوق فيها المصريون علي عدوهم وليس العتاد والأسلحة وأدوات القتال التقليدية التي تفوقت فيها إسرائيل علينا بما لا يقاس. ان ما نحتاج إليه في هذه الأيام هو استدعاء بل وإحياء تلك الروح روح حرب أكتوبر التي لا تقبل الهزيمة أو التركيع أمام المشاكل الصعبة والأزمات والتحديات الجسيمة أيا كانت سياسية او اقتصادية أو كوارث طبيعية أو حتي عسكرية..فما أحوجنا في هذه الأيام التي تعصف بنا فيها سلسة من المشكلات والتحديات علي رأسها خطر الإرهاب الذي تخوض مصر ضده معركة ضارية لاحتوائه والقضاء عليه وليكن كواحدة من هذه المعارك التي انتصرت فيها قوة إرادة المصريين. [email protected]