سيظل نصر أكتوبر المجيد علامة فارقة ليس في تاريخ مصر فحسب وإنما في تاريخ منطقة الشرق الأوسط والعلاقات والتوازنات الدولية, كما ستبقي حرب73 مرجعا مهما في المجالات العسكرية والسياسية, بما قدمته من دروس في فنون القتال والتكتيكات والمعارك الصغري, التي لا تزال تدرس في الأكاديميات العسكرية, وكيفية استغلال وتهيئة المسرح السياسي الدولي لتنفيذ الأهداف وتحقيق المصالح. نصر أكتوبر ولد من رحم هزيمة67 التي كانت كفيلة بالقضاء علي أقوي جيوش العالم, وتقويض أعتي الشعوب, إلا أن عزيمة رجال القوات المسلحة المصرية البواسل فرضت نفسها معلنة عن رفض الاستسلام للنكسة, لتبدأ أولي مراحل الإعداد للنصر بحرب استنزاف, تحققت أول نتائجها في معركة رأس العش وبعدها عملية إغراق المدمرة إيلات, لتتواصل بطولات حرب الاستنزاف التي جري من خلالها إعادة بناء القوات المسلحة, تنظيما وتدريبا, وصولا إلي اللحظة الفارقة في تاريخنا المعاصر يوم السادس من أكتوبر1973 بعد استعدادات قتالية وتدريبات وتجهيزات وخطة خداع إستراتيجي, كان لها الدور المؤثر في تحقيق عنصر المفاجأة التي قادتنا إلي النصر. ذكري النصر المجيد تعلمنا كيف جري الاهتمام بتفاصيل الإعداد والاستعداد لهذه الملحمة الوطنية, وكيف نجحنا في توظيف قوي الدولة الشاملة من أجل معركة استعادة أرضنا المحتلة, وكيف سطر المقاتل المصري حروفا من نور في سجل التضحيات والبطولات من أجل وطنه وشعبه. القيادة السياسية التي تحملت مسئولية اتخاذ قرار الحرب, نجحت في إعداد الدولة لمعركة الكرامة من خلال الاستفادة من دروس الهزيمة عبر التخطيط والتنسيق علي المستوي الإستراتيجي, والمتابعة المباشرة لخطط إعداد القوات المسلحة وإدارة الصراع, وفي ضوء تقييم شامل للتهديدات والظروف الإقليمية وقدرات الدولة الشاملة, وهو ما أدي إلي وضوح الأهداف القومية والقرار السياسي للحرب, وانعكاس ذلك بشكل ايجابي علي تحديد الهدف سياسيا وعسكريا, وبالتالي وضع الإستراتيجية التي تحقق هذه الأهداف. حرب أكتوبر كانت ملحمة بطولية حقيقية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان.. كانت ملحمة في الإعداد والتخطيط والخداع والتنفيذ والعزيمة القوية التي لا تعرف المستحيل, فكان العبور العظيم لمانع مائي صعب واقتحام للنقاط الحصينة التي أقامها العدو.. كانت المعاناة علي خط النار صعبة للغاية, والحياة أقسي مما يمكن تصوره, لكن جنود مصر, وهم خير أجناد الأرض, تحملوا هذه المصاعب انتظارا للحظة تنطلق فيها المدافع, تدك حصون العدو, ليقفزوا إلي الضفة الشرقية للقناة ويقتحموا الصعاب ليحققوا النصر. سيظل نصر أكتوبر العظيم ماثلا في ضمير كل مصري مهما طال الزمن.. فهو النصر الحقيقي الذي كشف معدن المقاتل المصري والقائد المصري, الذي تحمل المصاعب وواجه المخاطر, وكانت مصر دائما حاضرة في ضميره وقلبه وعقله, يضحي بكل شيء من أجل رفعتها وعزتها.. ولابد أن نذكر في هذه المناسبة الغالية بكل الإعزاز والتقدير الرئيس الراحل أنور السادات صاحب قرار الحرب والسلام الذي ضحي بحياته من أجل الوطن.. ونذكر بالإجلال والإكبار جميع الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل مصر. بعد43 عاما علي تحقيق النصر مازلنا في حاجة إلي روح أكتوبر لنكمل المسيرة.. نحتاج إلي توظيف حقيقي لقوي الدولة الشاملة.. نحتاج أن نعلم أن الانجاز لا يتحقق إلا بالإرادة الحقيقية والاستعداد الجاد والتحديد الدقيق للأهداف, ووضع الاستراتيجيات وصدق النوايا والإخلاص في العمل. [email protected]