لقد أنعم الله علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصي قال تعالي: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وأوجب علينا سبحانه وتعالي شكر هذه النعم, وجعل من الشكر التحدث بها فقال تعالي: وأما بنعمة ربك فحدث أي اشكر الله تعالي علي هذه النعم بإظهار آثارها, فيكون مثلا شكر نعمة المال بإنفاقه علي المحتاج, وشكر نعمة الصحة يكون بالحفاظ عليها ومساعدة من لا صحة له. ويقول الدكتور هشام الجنايني بكلية الشريعة والقانون بطنطا- جامعة الأزهر: ليس المراد بالتحدث بالنعمة في الآية ما يفهمه البعض خطأ: مجرد ذكر الثروة والمال والإفاضة في الحديث عنه والتباهي به, فإن ذلك ليس من كرم الأخلاق في شيء, بل إن النبي صلي الله عليه وسلم علمنا أن التحدث بالنعمة يكون بإظهار آثارها فقال صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:( إن الله يحب أن يري أثر نعمته علي عبده), وقال صلي الله عليه وسلم لمن أتاه وهو رث الثياب- غير مهندم في ثيابه- وعنده مال:( إذا آتاك الله مالا, فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته), وأخبرنا صلي الله عليه وسلم بأن جائزة من أظهر أثر النعم وقضي حاجة الناس بها هي: الأمن من عذاب الله فقال في الحديث الحسن:( إن لله عبادا اختصهم بحوائج الناس, يفزع الناس إليهم في حوائجهم, وأولئك هم الآمنون من عذاب الله), وعلي العكس نجد أن الله تعالي ذم من يكتم النعمة وقرنه بالبخل فقال تعالي:( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما أتاهم الله من فضله), وحذر نبينا العدنان عليه الصلاة والسلام من لم يظهر آثار النعمة عليه ولا يقضي حوائج الناس بها رغم أن هذه النعمة فاضت عن حاجة فقال في الحديث الصحيح:( كل عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه- أي فاضت عن حاجته-, ثم جعل من حوائج الناس إليه فترم- أي أعرض-, فقد عرض تلك النعمة للزوال). ويوضح الجنايني أن هناك فرقا بين التحدث بالنعمة والفخر بها: فالمتحدث بالنعمة مخبر عن صفات وليها ومحض جوده, وإحسانه فهو مثن عليه بإظهارها والتحدث بها شاكر له, ناشر لجميع ما أولاه, مقصوده بذلك إظهار صفات الله ومدحه والثناء عليه, وبعث النفس علي الطلب منه دون غيره, وعلي محبته ورجائه فيكون راغبا إلي الله بإظهار نعمه ونشرها والتحدث بها, وأما الفخر بالنعم فهو أن يستطيل بها علي الناس, ويريهم أنه أعز منهم وأكبر فيركب أعناقهم ويستعبد قلوبهم ويستميلها إليه بالتعظيم والخدمة, وكذلك كسر قلوبهم والتفاخر بأنه هو المستحق لها دونهم. وتبقي مسأله في غاية الأهمية لابد من التعرض لها وهي متي يظهر الإنسان النعمة ويحدث بها- كإنفاق المال مثلا- ومتي يخفيها؟ قال الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه الماتع إحياء علوم الدين: موفقا بين الأمرين بعد أن ذكر مميزات إخفاء الصدقة ومميزات إظهارها: أن لا نحكم بتا بأن الإخفاء أفضل في كل حال أو الإظهار أفضل, بل يختلف ذلك باختلاف النيات, وتختلف النيات باختلاف الأحوال والأشخاص): فمن يري في نفسه الإخلاص وعدم الرياء ولا الفخر بما يفعله ولا التكبر علي الخلق بالنعم فليظهرها, ومن خاف وجود ذلك فليخفها,, ويقول الشيخ صلاح زاهر مدير عام بأوقاف الدقهلية إن الله سبحانه وتعالي خلق لنا السموات والأرض وأوجد لنا الماء والهواء ووضع في الأرض أقواتها إلي يوم القيامة وهذه نعم يستحق سبحانه الحمد عليها لأنه جل جلاله جعل النعمة تسبق الوجود الإنساني فعندما خلق الله سبحانه وتعالي الإنسان كانت النعمة موجودة تستقبله بل إن الله عز وجل قبل أن يخلق آدم أبا البشر سبقته الجنة التي عاش فيها لا يتعب ولا يشقي وحينما نزل آدم وزوجه إلي الأرض كانت النعمة قد سبقتهما فوجدا ما يأكلانه وما يقيم حياتهما ولو أن النعمة لم تسبق الوجود الإنساني وخلقت بعده لهلك الإنسان وهو ينتظر مجئ العنة بل إن العطاء الإلهي للانسان يعطيه النعمه بمجرد أن يخلق في رحم أمه فيجد رحما مستعدا لاستقباله وغذاء يكفيه طول مدة الحمل فإذا خرج إلي الدنيا يضع الله سبحانه وتعالي في صدر أمه لبنا ينزل وقت أن يجوع ويمتنع وقت أن يشبع وينتهي تماما عندما تتوقف فترة الرضاعة. وهكذا نري أن النعمة تسبق المنعم عليه دائما ونعم الله سبحانه وتعالي لا تعد ولا تحصي ويشير الشيخ زاهر إلي أن الناس في رؤيتهم للنعمة واستقبالهم لها ثلاثة أصناف الأول يعلم أن النعمة منة من الله وفضل فلا ينسبها لنفسه ولا تحجبه عن رؤية المنعم فيشكر الله تعالي عليها ويشفق من زوالها وعدم دوامها فالمانح مانع والباسط قابض ولا يكون مطمئنا لكمالها ويخشي أن يكون مقصرا في أداء ما عليه فيها أما الصنف الثاني يعلم أن النعمة من الله تعالي فيشكره عليها ويفرح بها من منطلق قوله تعالي قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون يونس(58) ولكنه غير خائف من زوالها لا يشعر بالخوف من التقصير في أداء حقها فقد ألهته النعمة عن الاهتمام بما اهتم به الصنف الأول وهذا الصنف علي خطر من أن ينزلق إلي صفوف الصنف الثالث الذي يفرح بالنعمة ويركن إليها فتحجبه عن النعم فلا ينسب النعمة إليه بل ينسبها لنفسه ويري أنه استحقها عن جدارة وهذا الصنف الذي أصابه داء العجب والكبر إذا لم يتدارك نفسه هلك قال صلي الله عليه وسلم ثلاث مهلكات شح مطاع وهوي متبع وإعجاب المرء بنفسه لا تقتصر علي المال فقط كما يوضح الشيخ صلاح زاهر وإنما تشمل كل نعم تعود علي الإنسان بالنفع وقد علمنا الإسلام حسن التعامل مع النعم قال تعالي وأما بنعمة ربك فحدث وقال صلي الله عليه وسلم إن الله يحب أن يري آثر نعمته علي عبده ولكن التمتع بالنعم وإظهارها ضوابط ليس منها الإسراف والتبذير قال صلي الله عليه وسلم التحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير من لا يشكر الناس لا يشكر الله والجماعة بركة والفرقة عذاب وعن جابر رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلي آخرها فسكتوا فقال لقد قرأتها علن الجن ليلة الجمعه فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت علي قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد وقال الشاعر: إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم وداوم عليها بشكر الإله- فإن الإله سريع النقم وقال رجل من الصالحين لحسن البصري كيف أصبحت يا أبا سعيد؟ قال: أصبحنا غارقين في نعم الله يتحبب إلينا ربنا بنعمه وهو غني عنا ونتبغض إليه بالمعاصي ونحن أحوج إليه وقد أصبحنا بين نعمتين لا تدري أيهما أفصل ذنوب اقترفناها فسترها علينا فلا يعيرنا بها أحد, ومحبة زرعها الله لنا في قلوب عباده فلا نبلغها بأعمالنا ولا نستطيع شراءها بأموالنا وقال لقمان الحكيم من شاء أن يعرف نعمة الله عليه فلينظر إلي من هو دونه في الدنيا ولا ينظر إلي من هو فوقه فإن لسانه عند ذل سيتدفق بشكر أنعم الله