إن نعم الله تعالي علي خلقه لاتعد ولاتحصي, منها: نعمة الاستقرار النفسي والأسري, ونعمة الصحة, ونعمة عدم الحاجة الي مافي يد الغير, ونعمة القناعة والرضا, ونعمة الهداية والطاعة ومرضاة الله تعالي, ونعمة الذكاء وفهم حقائق الأشياء, ونعمة الولد, ونعمة المال, وغير ذلك يقول الحق سبحانه: وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها وهذه النعم جميعا لاتجتمع لأحد,وإنما جرت سنة الله تعالي في خلقه أن يرزق من يشاء بما شاء من نعمه, بحيث يكون راضيا قانعا بما رزق به, ولاينبغي للمرء أن ينظر إلي من هو فوقه في النعم, وإنما ينبغي أن ينظر الي من هو دونه فيها, فإن هذا أجدر ألا يزدري نعمة الله تعالي عليه فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:انظروا الي من هو أسفل منكم, ولاتنظروا إلي من هو فوقكم فإنه أجدر أن تزدروا نعمة الله عليكم,فإن من نظر إلي من دونه في النعم لم يعد مارزق به منها قليلا, ومن نظر الي من فوقه فيها عد مارزق به منها قليلا, إلا أن بعض من رزقهم الله تعالي ببعض النعم يكتمها, وقد يظهر من حاله أنه لم يرزقها ومن هؤلاء بعض من من الله تعالي عليهم بنعمة المال, فهم في سعة منه, إلا أنهم يظهرون من أنفسهم وأحوالهم خلاف ذلك, فلا يظهر أحدهم إلا الشكوي من ضيق ذات اليد, وعدم قدرته علي الوفاء بحاجاته وحاجات أسرته الأساسية, والمبالغ الذي استدانها من البنوك والناس, وكثرة ماينفق علي علاج الأدواء التي أصيب بهلا أو أصيب بها ذووه, والأزمات التي تعصف بما يملك, وتعرض مشاريعه للكساد والخسران, وإظهار جانب الحاجة والفقر في ملبسه وهيئته وتصرفاته وسلوكه بصورة عملية, تكاد تقنع الرائي بصدق مايظهره ومايدعيه, وهذا نوع من عدم شكر النعمة, وعدم التحدث بما أنعم الله تعالي به عليه,فإن الحق سبحانه إذا أنعم علي عبد فإنه يحب أن يظهر أثر هذه النعمة عليه, وليس بالضرورة أن تكون النعمة مالا حتي يظهر أثرها علي من رزقها, بل قد تكون علما نافعا, أو نحو ذلك, ولذا فإنه يجب أن يظهر أثرها علي من أنعم عليه بها,فقد روي عن أبي رجاء العطاردي قال: خرج علينا عمران بن حصين رضي الله عنه وعليه مطرف خز لم نره عليه قبل ولا بعد, فقال: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: من أنعم الله عز وجل عليه نعمة,فان الله عز وجل يحب أن يري أثر نعمه علي عبدهوقد نكرت النعمة في الحديث, مما يدل علي أن هذا التشريع يتعلق بكل ما أنعم الله تعالي به علي عباده, ويدل لهذا كذلك ماروي عن زهير بن أبي علقمة الضبعي رضي الله عنه قال: أتي النبي صلي الله عليه وسلم رجل سيئ الهيئة, فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: ألك مال؟ قال: نعم من كل أنواع المال فقال له: فلير عليك, فان الله يحب أن يري أثره علي عبده حسنا, ولايحب البؤس ولا التبؤس, وعدم حب الله تعالي ذلك في حق من يفتعل التبؤس مع أن الله تعالي قد رزقه بما يرفع عنه هذه الحالة, أما من ابتلاه الله تعالي بالفقر وضيق ذات اليد, فلا حيلة له في إزالة آثار البؤس عن نفسه, إلا بالأخذ بأسباب هذه الإزالة ما استطاع الي ذلك سبيلا, وقد روي أبو الأحوص الجشمي عن أبيه قال: أتيت النبي صلي الله عليه وسلم في ثوب دون, فقال: ألك مال؟ قلت: نعم قال: من أي المال؟ قلت: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق, قال: فإذا أتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته, قلت: يا محمد ولم أكن أسلمت يومئذ أرأيت إن نزلت برجل فلم يقرني ولم ير لي حقا ثم أصابه الدهر ثم نزل بي أفأجزيه بما فعل أو أقريه؟ قال: لابل اقره, ثم قال لي هل تنتج إبلك وافرة آذانها؟ قلت:وهل تنتج الإبل إلا كذلك,قال: فتأخذ الموسي فتقطع آذانها فتقول هذه بحر وتأخذ موساك وتشق آذانها وتقول هذه صرم؟ قلت: إنا لنفعل ذاك, قال: فلا تفعل, كل ما آتاك الله حل وموسي الله أحد من موساك, وساعد الله أشد من ساعدكوإذا كان والد أبي الأحوص كافرا وقت أن خاطبه رسول الله صلي الله عليه وسلم بما ورد في الحديث, فإن المسلم أولي أن يلتزم بما ورد فيه, وهو إظهار نعمة الله تعالي علي عبده بما يظهر هذه النعمة عليه, ولاينبغي أن يكون في إظهار هذه النعمة إن كانت مالا مغالاة, وألا ينحي بها منحي التفاخر والمباهاة, حتي لاتكون كسرا لقلوب الفقراء والمحتاجين, وألايكون فيها سرف, للنهي عنه, مع قرن إظهارها بشكر المنعم عليها, لقول الله تعالي: لئن شكرتم لأزيدنكم.