أضافت دورة الألعاب الأولمبية ريو2016 مهمة جديدة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين, فبينما عرفنا عنها جهودها الرائدة لحل أزمات المشردين والنازحين الفارين من ويلات الحروب الأهلية والمذابح الدولية, أطلت علينا في الدورة التي انتهت منذ أيام, بعلمها الأممي وبلاعبين يمثلون لاجئي العالم, فوفرت لهم بعد العلم, الفرصة ليقدموا أنفسهم ليس كمواطنين لاجئين فقط, وإنما كبشر من حقهم ممارسة الرياضات المختلفة. وكان للمفوضية تقليد رائع وهو اختيار مشاهير النجوم في العالم لتمثيلها دوليا, وتعيينهم سفراء للنوايا الحسنة, ومنهم الفنان عادل إمام والممثلة إنجلينا جولي ومصمم الأزياء العالمي جورج أرماني والمغني جوليان كلارك والأميرة مارتا لويس وغيرهم من مشاهير العالم في مختلف المجالات. ويسعي هؤلاء السفراء إلي جذب اهتمام العالم للضحايا من اللاجئين والعمل علي مساعدتهم علي جميع الأصعدة في مختلف الدول. وما بين قبول مشاهير العالم التكليف ورفضه..وما بين الموافقة ثم الانسحاب احتجاجا علي بعض المواقف الدولية والإقليمية, قرر اللاجئون أنفسهم الدفاع عن هويتهم, إرادتهم, أحلامهم وأوطانهم التي غادروها قسرا ولكنها لم تغادر قلوبهم. فعقد بعض الرياضيين المتميزين العزم علي خوض منافسات أولمبياد ريو بدون جنسياتهم العربية أو الإفريقية ولكن كممثلين عن ملايين اللاجئين حول العالم. وأمام هذا الإصرار الحديدي والتميز الرياضي وافقت اللجنة الأولمبية الدولية, وللمرة الأولي في تاريخها, علي دخول فريق لن يمثل دولة بعينها ولن يحمل علم بلده في قلب دورة الألعاب الأولمبية في ريو. وقد حقق هؤلاء حلمهم, وسار فريق الرياضيين اللاجئين الأولمبيين تحت علم موحد يمثل الراية الأولمبية. تحدي اللاجئون اليأس, ففريق الأبطال الذي فر أعضاؤه من نيران الحروب الأهلية وألسنة الاضطهاد العرقي ومكالب التصفيات الجسدية في سورياوجنوب السودان والكونغو الديمقراطية وإثيوبيا, بل وتحدوا ببسالة متناهية أعضاء الفرق الدولية الأخري التي لم تعبر فوق جسر الموت الوحشي للوصول إلي البرازيل. تحت علم متعدد الألوان يمثل القارات الخمس, تدرب في ريو, شاب أسمر اللون من جنوب السودان, لا يملك من الحياة إلا واحد وعشرين عاما من القهر والبؤس والحرمان..عداء ماهر فر من سنوات, ليست بالبعيدة نظرا لسنه الصغيرة, ولكنها أطول من قطار الحياة المديدة قياسا بأهوال الحروب والاقتتال في بلاده التي تشهد حربا أهلية ممتدة. الشاب ييتش بور بيال قرر تغيير مصيره, فقادته أقدامه العارية التي احترقت فوق الرمال الملتهبة إلي مخيمات اللاجئين في شمال كينيا. وتحت شمس تلك المخيمات التي لا تعرف الرحمة, بلا سقف يستظل به داخل صالة ألعاب ولو مهجورة..وبدون حذاء يقي قدميه من جروح الطريق غير الممهدة, قرر العداء الجنوب سوداني تحقيق حلم الطفولة وهو المشاركة في الأولمبياد بسباق800 متر. أراد بور بيال أن يعلن بصرخة مدوية في أرجاء الأثير, أنه بالركض فقط يستطيع أن يستعيد أملا في الحياة, فحلم بحصد ذهبية تمسح من فوق جبينه وصمة كلمة لاجيء بلا ذنب أو جريرة, وأن يصبح سفيرا للاجئين في كل مكان. لقد ضرب أبطال فريق اللاجئين أروع مثال في الإرادة الفولاذية, وتأسوا بقائدة فريقهم اللاعبة الأولمبية الكينية وحاملة الرقم القياسي في الماراثون سابقا, تيجلا لوروب التي ترأست البعثة المكونة من10 أبطال, أو لنقل10 قصص لملمت ما تبقي من أشلاء آدميتها المثخنة بالجراح وخرجت من مقابر الموت لتسطر يوما واحدا في عمر جديد داخل البرازيل. إن إنجازاتهم علي أرض ريو هي أحلامهم التي تحققت, فقد دافعوا عن أملهم, وأثبتوا أن فاقد الوطن والعلم والنشيد, يستطيع أن يبلغ صدي صوته إلي مسامع العالم الإنساني الأصم, كسفير.. بدرجة لاجيء.