أنا شاب في السابعة عشر من عمري, أعلم أن مشكلتي ليست جديدة وأن آلاف الشباب مازالوا يعانون منها رغم أننا في القرن الواحد والعشرين تتلخص مشكلتي ياسيدي في أنني حصلت علي الثانوية العامة هذا العام بمجموع كبير كان نتاجا لجهد وسهر واجتهاد وهو يؤهلني للالتحاق بإحدي كليات القمة التي لا أحبها ولا أري فيها مستقبلي الذي أتمناه وأريد الالتحاق بكلية يراها والداي عادية وأري أنا أنها تشبع هواياتي وميولي, والغريب أنهما لم يناقشاني من قبل في هذا الموضوع وكأنهما لم يكونا يتوقعان حصولي علي هذا المجموع الكبير, والآن هما يدعيان أنهما الأدري بمصلحتي وأنني في سن صغير لا يسمح لي بتحديد واختيار مستقبلي ويضغطان علي بكل الطرق لإخضاعي لرغبتهما. سيدي أنا أحب والداي جدا ولا أريد إغضابهما لكنني أتساءل: هل حقا أنا في سن لا تسمح لي باختيار مستقبلي؟ وإن كان كذلك فلم حددت الدولة الاختيار في هذا السن الذي لا يصلح للاختيار؟ وما الذي علي فعله الآن؟ هل أستسلم لرغبتهما وأدفن حلمي ورغبتي وموهبتي وهواياتي ؟ أم أصر علي اختيار مستقبلي ثم أشعر بالندم مثلما يهدداني؟ وماذا تقول لهما لو كنت أنا المحق؟ أرجو أن تساعدني علي اتخاذ القرار السليم بأسرع وقت فأنا في مفترق طرق... وشكرا لك. ابني العزيز ليست الدولة فقط التي جعلتك مقررا ووصيا علي رغباتك, لكن رب العباد سبحانه وتعالي قرر أن يفطرك ويميزك عن كل المخلوقات بهذه الميزة, ألا وهي القدرة علي الاختيار وتقرير المصير, وتدرس منظمةwho الصحة العالمية حاليا إصدار مرسوم جديد لتحديد مرحلة المراهقة من9-13 والذي ربما يصل إلي16 سنة! وهو السن الذي تكتمل فيه قدرة المخ علي اتخاذ القرار وتحديد المصير والذي يسميه العلماء اJudgmentalpart ب. الآباء والأمهات نحن جميعا نعلم أن التفوق الدراسي في مصر وفي بعض البلدان العربية يقاس بالقدرة علي الحفظ وبالتالي هو ليس دليلا علي الذكاء أو علي أن المتفوق دراسيا بوسعه أن يصبح طبيبا ناجحا أو مهندسا نابغا, وبالعكس فإن المجموع البسيط ليس دليل فشل فقد يصبح الطالب الفاشل في تحقيق درجات عالية في الثانوية العامة فنانا عالميا أو عالما في الزراعة أو في الكيمياء كالدكتور زويل مثلا رحمه الله فهو خريج كليات العلوم التي لم تكن من كليات القمة في ذلك الوقت, أي أنه لم يكن متفوقا في الثانوية العامة ومع ذلك أبهر العالم كله بأبحاثه واكتشافاته. فتعالوا نرفع أيدينا عن أبنائنا ونتوقف عن استنساخ أنفسنا منهم وعن محاولة مداراة فشلنا في تحقيق ما كنا نحلم بتحقيقه في الإلحاح عليهم لتحقيقه بدلا عنا تعالوا نتوقف عن تربية أبنائنا علي أن يكونوا سامعين للكلام.... إنت لازم تسمع الكلام طالما أبوك قال يبقي إنت ما تفكرش إنت لسة هتناقش أبوك... عيب إن هذا الأسلوب في تربية الأبناء قاتل للثقة في النفس.. قاهر للهمم.. قاهر للإرادة الحرة, علموا أبناءكم القدرة علي الاختيار ولا تعلموهم الخوف من عواقب سوء الاختيار فيصبحوا جبناء غير قادرين علي تحمل نتيجة اختياراتهم, لا تقفوا محلك سر ولا تجعلوا الزمن يتوقف عند زمانكم ولا تعاملوا أولادكم بناء علي معتقداتكم ولا تستخدموهم أداة لتحقيق رغباتكم أنتم ولا أمانيكم التي فشلتم في تحقيقها. وإني لأنصحكم بتشجيعهم علي اتخاذ القرار والمضي قدما فيه والحرص علي تحقيقه طالما هم جاهزون لتحمل العواقب وأيضا طالما أن هذا الأمر ليس مخالفا لا للدين أو للقانون, فبلدنا لن تنهض لأننا نمتلك آلاف الأطباء أو المهندسين أو آلاف ضباط الجيش أو الشرطة, لكنها ستنهض عندما نهتم بالمفكرين المبدعين المخترعين في كل المجالات حتي لو كانوا من أصحاب الشهادات الفنية المتوسطة لأن الطبيب لن يكون ماهرا إلا بالمعدات الطبية المبتكرة التي تساعده علي الإبداع وهي من صنع المهني الذي نقلل من شأنه ونخاف علي أبنائنا من أن يصبحوا مثله. صديقي العزيز صمم علي الكلية التي تريدها وتشبع ميولك وهواياتك, وخاطبهم بالود ولين الكلام ولكن لا تتنازل عن حلمك واجعل هدفك أن تثبت لهما صحة اختيارك وذلك بحرصك علي التفوق والتميز في مجالك وأن تكون علامة فيه, وبذلك سيكون الدرس من نصيبهم هم وليس من نصيبك.