لم يكن المخرج الراحل محمد خان أبرز مخرجي السينما الواقعية التي بدأت في الانتشار نهاية السبعينيات وفترة الثمانينات, لكن أفلامه كانت بمثابة شهادة ووثيقة عن الحياة في مصر الاجتماعية والسياسية وأيضا حملت شخصيات ابطاله هموما انسانية كثيرة فكانت دائما باحثة ومتمردة ووحيدة, فكان خان مهموما بالمشاعر الإنسانية وكيفية التعبير عنها والمنطقة الرمادية التي يكون بها الإنسان ولم يعتبر في افلامه ان الحياة قائمة علي الأبيض والأسود فقط, لذلك لم يهتم في الأعوام الأخيرة خاصة بعد منتصف التسعينيات بالوجود الدائم بأعمال جديدة. وكانت الصدفة دائما لاعبا أساسيا في مشوار خان ولكنها صدفه وقودها تطلعه لاكتشاف عالم الشاشة الفضية وتفاصيلها, تلك التفاصيل التي كانت عنصر اساسي في اعماله, محمد خان الذي ولد لأب باكستاني وأم مصرية, كان مبدعا سينمائيا وايضا له مشاركات في الكتابة في كتابة12 قصة من21 فيلما قام بإخراجها. وهو متزوج من وسام سليمان كاتبة السيناريو لفيلميه بنات وسط البلد و في شقة مصر الجديدة. بدأت الصدفة مع خان عندما نشأ في منزل مجاور لدار سينما مزدوجة وكان يري مقاعد إحداها ولا يري الشاشة, وكان يشاهد الأفلام في اليوم الأول ويتابع شريط الصوت بتركيز بقية الأيام, كما انه كان حريصا علي جمع إعلانات الأفلام من الصحف, وشراء مجموعات صور الأفلام, لكن هذا الحب للسينما لم يجعله يفكر في ان تكون هي مستقبله وعمله وشغفه, حيث كانت الهندسة المعمارية هي حلم طفولته. وعندما سافر عام1956 إلي إنجلترا لدراسة الهندسة المعمارية, التقي بالصدفة شابا سويسريا يدرس السينما هناك وذهب معه إلي مدرسة الفنون, فترك الهندسة والتحق بمعهد السينما في لندن. ولكن دراسته في المعهد اقتصرت فقط علي الاحتكاك بالآلات ومعرفته للتقنية السينمائية. لذلك لم يكن المعهد هو المدرسة الحقيقية لخان فكانت مدرسته أكبر بكثير من ذلك فشغفه بالسينما جعله يتعرف علي السينما العالمية في الستينيات, ومعاصرته لجميع التيارات السينمائية الجديدة في نفس وقت نشئها فقد شاهد أفلام الموجة الفرنسية الجديدة, وأفلام الموجات الجديدة للسينما التشيكية والهولندية والأمريكية, وجيل المخرجين الجدد فيها, كما تابع أفلام أنطونيوني الذي تأثر به, وفلليني وكيروساوا وغيرهم من عمالقة الإخراج في العالم. كما تابع مدارس النقد السينمائي المختلفة, مثل كراسات السينما الفرنسية والمجلات السينمائية الإنجليزية الأخري, هذا الاطلاع جعله ينظر إلي السينما نظرة جادة ومختلفة عن ما هو سائد في مصر والعالم العربي. وبعد أن أنهي دراسته في معهد السينما في انجلترا عام1963 عاد إلي القاهرة وعمل مع المخرج الكبير صلاح أبو سيف في( الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي) بقسم القراءة والسيناريو مع رأفت الميهي و مصطفي محرم و أحمد راشد و هاشم النحاس. ولم يستطع خان الاستمرار في العمل في هذا القسم أكثر من عام واحد, سافر بعدها إلي لبنان ليعمل مساعدا للإخراج مع يوسف معلوف و وديع فارس وكوستا وفاروق عجرمة, لكنه سافر بعد عامين إلي إنجلترا وكانه في رحلة بحث عن سينما خان ومدرسته الخاصة و أنشأ دار نشر وأصدر كتابين, الأول عن السينما المصرية والثاني عن السينما التشيكية, وكان يكتب مقالات عن السينما. وفي عام1977 عاد إلي مصر وأخرج فيلما قصيرا. وبدايته السينمائية كانت عام1978 مع فيلم ضربة شمس الذي يعد أولي تجاربه الروائية السينمائية, والذي أعجب به نور الشريف عند قراءته للسيناريو, لدرجة أنه قرر أن ينتجه. وبعد ذلك كون خان مع بشير الديك و سعيد شيمي و نادية شكري و عاطف الطيب و خيري بشارة و داود عبد السيد جماعة سينمائية أطلق عليها( جماعة أفلام الصحبة), جمعتها رابطة الصداقة ومجمل القضايا والهموم الفنية والثقافية بشكل عام. وكان الهدف من إنشاء هذه الجماعة هو إنتاج أفلام ذات مستوي جيد وتقدم جديدا, والفيلم الوحيد الذي قامت الجماعة بإنتاجه هو الحريف. كما ارتبط في أفلامه بأسماء معينة في أكثر من عمل, وهذا كان سلوكا اساسيا له في افلامه ومن ابرز تلك الأسماء المونتيرة نادية شكري التي قامت بمونتاج جميع أفلامه حيث كان يري أن المونتير العنصر الوحيد غير القابل للتغيير, لأن علاقة المخرج والمونتير تتطور وتنضج بتكرار التعاون, ومع كثرة التعاون يدرك ويتكيف المونتير مع مدرستك وأسلوبك الإخراجي.