جولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو في دول بحوض النيل, لم تكن من قبيل المصادفة, بل جاءت في صلب الإستراتيجية الإسرائيلية لغزو افريقيا لأسباب سياسية وأمنية واستراتيجية وعقائدية, والإمساك بورقة ضغط علي مصر. ويكفي إخراج خريطة القارة السمراء والنظر إلي منابع النيل عليها ومقارنتها بمحطات زيارة نيتانياهو, لنعرف مغزي ومدلول تلك الجولة, ويزيد الموقف وضوحا عندما نعرف انها تأتي قبل تشغيل المرحلة الأولي من سد النهضة الإثيوبي ب3 أشهر تقريبا, وانها شملت الدول التي وقعت علي اتفاق عنتيبي لإعادة توزيع حصص مياه النيل, وبما يلغي حق مصر التاريخي في حصتها السنوية المقدرة بنحو55.5 مليار مترمكعب!! كما انها جاءت قبل أيام من اجتماعات الاتحاد الإفريقي الذي يسعي للانضمام إليه بصفة مراقب, وبعد حالة الفوضي التي تقترب منها أوروبا في اعقاب انسحاب بريطانيا من اتحاد اليورو!! ونظرا لصغر المساحةالمخصصة للمقال يمكن ايجاز مغزي الزيارة العنكبوتية في النقاط الآتية: 1- اهتمام اسرائيل بدول القرن الإفريقي القريبة من حوض النيل, يستهدف تطبيق نظرية شد الأطراف علي مصر والدول العربية أي محاصرتها من الدول الحدودية ذات المصالح المؤثرة, وخاصة كينيا واريتريا واثيوبيا. 2- كسب تأييد الجالية اليهودية الكبيرة في إثيوبيا يهود الفلاشا واستجلاب الألاف منهم إلي إسرائيل وتكليف54 شركة يهودية ببناء المصانع والمساكن لهم في اديس ابابا, يصب في مرمي تضييق الخناق علي مصر المناصر الأول للقضايا العربية خاصة الفلسطينية, واجبارها علي تنفيذ الحلم الصهيوني القديم بتوصيل مياه النيل إلي اراضي الاحتلال. وقد كشفت صحيفة لوفيجارو الفرنسية في تقرير لها حول مغزي جولة نيتانياهو عن أن إسرائيل منذ تأسيسها تحاول الحصول علي مياه النيل, وسبق أن طرحت عام1974 فكرة إعادة مدينة القدسالمحتلة إلي الفلسطينيين, مقابل نقل840 مليون م3 من مياه النيل سنويا إليها, وهذه الكمية كافية لتغطية احتياجاتها من المياه, غير أن المشروع اصطدم بمعارضة إثيوبيا والسودان ومصر في حينها!!. 3- استغلال الأوضاع غير المستقرة التي مرت بها مصر ومن قبلها الإنسلاخ الاستراتيجي لمصر من دورها الإفريقي بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر, والغياب العربي رغم وجود9 دول عربية في الاتحاد الإفريقي جعل من القارة مرتعا للكيان الإسرائيلي, والسماح لنيتانياهو بالتجرؤ علي الدخول إلي إفريقيا من أبوابها الواسعة, وتسليح الجيوش الإفريقية. وقد اسند لإسرائيل تطويروإعادة هيكلة وتنظيم وتسليح الجيش الإثيوبي ليكون قادرا علي مواجهة أية تحديات من داخل القارة وخاصة مصر. 4- تطويق ومحاصرة إيران من توظيف أنشطتها الخيرية والدينية, لاسيما من خلال توثيق العلاقة مع الشيعة الأفارقة, في تشكيل خلايا استخبارية تهدف إلي المس بالمصالح الصهيونية هناك. 5- يعمل الكيان الصهيوني علي بلورة حلف إسرائيلي مع بضع دول مسيحية في إفريقيا, كي تشكل حزاما من نوع ما ضد الإسلام المتصاعد في دول شمال إفريقيا, درءا لتداعيات التغييرات الحاصلة في شمال إفريقيا علي باقي الدول الإفريقية, التي تخشي من إمكانية تعزز الإسلام المتطرف, ومن تأثيره علي القارة بأسرها. 6- تعزيز أواصر العلاقات مع افريقيا للدفاع عن الكيان الصهيوني في المحافل الدولية, خاصة أن القارة الإفريقية عامل مساعد للقضية الفلسطينية في كافة المحافل الدولية, وهو ما دفع نيتانياهوللقول: إن إفريقيا هي قارة بها54 دولة, وإن إمكانية تغيير اتجاههم ومواقفهم نحو إسرائيل ستعد تغييرا استراتيجيا في وضع إسرائيل الدولي....كل ذلك يحدث ونحن نغرق في الوحل الإسرائيلي الإفريقي!!.