السؤال الذي يطرح نفسه دائما, لماذا تترك الهموم آثارها دوما بداخلنا؟..لماذا لا تغادرنا؟..لماذا تظل محفورة داخل أنفسنا؟..وما السبيل إلي محوها من عقولنا وقلوبنا؟ ..أسئلة كثيرة تدور بمخيلتنا ولا نجد لها إجابة, فالألم الذي يخلفه الجرح, والأثر الذي تتركه المشكلة يظل محفورا بداخلنا رغم أن الأساس قد انتهي ومات, إلا أن أثره يظل يطاردنا, ألم تلحظ أننا إذا أجرينا عملية جراحية في أحد أجزاء الجسد فإنه عندما يلتئم الجرح نشعر بعد مرور الوقت, ويأتي ذات تاريخ إجراء العملية بألم في مكان الجراحة, وكذلك عندما نمر بأزمة نفسية ويمر الوقت عليها, نشعر بذات الغصة بداخلنا في ذات توقيت حدوثها. فالأثر أحيانا يكون أشد وطأة من الجرح ذاته; لأن الأثر يحتاج لكثير من الوقت لمداواته, أما الجرح فيكفي تضميده وينتهي, والذاكرة دائما تخزن الآثار وتمحوها بسهولة, ولكن علينا أن ندرك أن هذا الشعور أكثر سلبية من المشكلة ذاتها; لأن الأخيرة تحتاج إلي تفكير إيجابي لحلها, وهنا فالعقل يفكر ويدبر أكثر منه يحزن ويتألم, أما الأثر فلأنه لا يحتاج إلي فعل إيجابي فلا يكترث الإنسان بما سوف يدر عليه من مشاكل, ولكن علي العكس, فأغلب آلامنا النفسية والعصبية تظهر بانتهاء مشاكلنا وليس معها; لأن ما تخلفه من آثار وآلام هو ما قد نظل نعاني منه طيلة حياتنا; لأننا لا نفعل حياله أي تصرف أو فعل, نظرا لقناعتنا أنه لا توجد مشكلة تستدعي التفكير, وهنا ودون تركيز منا وبمساعدة اللاشعور نكتشف أن أثر الجرح أصبح جزءا منا يحركنا ويعطي تعليماته لنا, ويكون العقائد والعقد النفسية بداخلنا دون أن نشعر, ولو ركزنا قليلا سنكتشف أننا خرجنا من بؤرة مشكلة حياتية إلي دائرة حالة نفسية. لذا علينا أن نحاول استيعاب هذا الأمر جيدا ومحاولة معالجته بشكل منطقي وإيجابي. فقد كان هناك بروفيسور بدأ محاضرته علي طلابه بالإمساك بكأس تحوي بعض الماء ورفعها أمام أعين الطلاب ليراها الجميع, ثم سألهم: كم تظنون وزن هذه الكأس؟.. أجاب الطلاب:500 جم,100 جم,125 جم, فقال البروفيسور: أنا شخصيا لا أعرف ما لم أقم بوزنه, لكن سؤالي: ما الذي سيحدث لو أمسكتها بهذا الشكل مدة فقط؟..فأجاب الطلاب: لا شيء!..أردف البروفيسور: حسنا, وما الذي سيحدث لو حملتها هكذا لمدة ساعة؟..فأجاب أحدهم: سيصيبك ألم في ذراعك بالتأكيد!..علق البروفيسور: معك حق, إذن ما الذي سيحدث لو حملت الكأس ليوم كامل؟..فأجاب آخر: سوف تصاب ذراعك بالخدر, وربما تشتكي من الإجهاد العضلي الشديد أو حتي الشلل, وبالتأكيد ستضطر للذهاب إلي المستشفي..وتابع البروفيسور: رائع جدا, لكن هل سيتغير وزن الكأس رغم كل ما حدث لي؟ أجاب الطلاب جميعهم بصوت واحد: لا فقال البروفيسور: إذن ما الذي يسبب ألم الذراع وإجهاد العضلات, مادام وزن الكأس نفسها لم يتغير؟..فانعقد لسان الطلاب بالحيرة, فقال البروفيسور: مشكلات الحياة تشبه كأس الماء هذا, احملها لمدة دقائق في رأسك فلن يحدث لك شيء, ولو فكرت فيها أكثر فلا ريب أنك ستشعر ببعض الألم, ولو حملتها فترة أطول فإن لديها القدرة أن تصيبك بالشلل, للدرجة التي تصبح معها عاجزا عن فعل أي شيء. وهذا الكلام لا خلاف علي منطقيته, فنحن بالفعل من نصنع ونحفر آثار لمشاكلنا, فبإمكاننا ألا نجعل للمشكلة ثمارا, ونكتفي بحلها, ثم ندعها ولا نفكر فيها إلا من أجل العظة والدرس الذي استقيناه فيها, أما لو حفرنا الأثر داخل عقولنا وغذيناه بقلوبنا, وأصبح يحيا معنا, فإنه سيتحول إلي جزء منا, وهنا سيزداد حجم كأس الماء التي تحملها, وسيتحول إلي بئر من الهموم.