كان النبي- صلي الله عليه وسلم- مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به- صلي الله عليه وسلم- فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينا رسول الله صلي الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتي بدت ثناياه, فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ فقال: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة, فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي, فقال الله, تبارك وتعالي, للطالب: فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا رب فليحمل من أوزاري, قال: وفاضت عينا رسول الله- صلي الله عليه وسلم- بالبكاء ثم قال: إن ذاك اليوم يحتاج الناس إلي من يحمل عنهم من أوزارهم, فقال الله تعالي للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان, فرفع رأسه فقال: يا رب أري مدائن من ذهب وقصور من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا؟ أو لأي صديق هذا؟ أو لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطي الثمن, قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه, قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك, قال: يا رب فإني قد عفوت عنه, قال الله عز وجل: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة, فقال رسول الله- صلي الله عليه وسلم- عند ذلك:' اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم, فإن الله يصلح بين المؤمنين'. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. يروي لنا النبي- صلي الله عليه وسلم- مشهدا من مشاهد الحساب والقصاص بين العباد يوم القيامة فبينما هو جالس بين أصحابه ضحك حتي بدت ثناياه فقال له عمر بن الخطاب: ما أضحكك يا رسول الله أفديك بأبي أنت وأمي فقال: أضحكني خبر رجلان من أمتي وقد جلسا علي ركبتيهما لشدة ما هم فيه من الهول بين يدي الله تبارك وتعالي وقد ظلم أحدهما الأخر في الدنيا فهو يريد أن يأخذ من حسناته بقدر مظلمته فليس في الآخرة دينار ولا درهم وإنما هي الحسنات والسيئات فيقول الله تبارك وتعالي له ما تصنع بأخيك وقد نفدت حسناته فيقول يارب فليأخذ من سيئاتي ويحملها عني, وهنا بكي النبي- صلي الله عليه وسلم- شفقة ورأفة ورحمة علي المؤمنين من هول هذا اليوم وقال إن ذاك اليوم يحتاج الناس إلي من يحمل عنهم من أوزارهم ومن عظيم رحمة الله وعفوه في هذا الموقف أنه يصلح بين المظلوم وظالمه, فيقول للمظلوم ارفع بصرك فانظر في الجنان فينظر فيري ملك عظيم ونعيم كبير فيقول بعد ما رأي هذا النعيم يا رب لأي نبي أو صديق أو شهيد أعد هذا النعيم فيقول الله عز وجل هذا لمن أعطي الثمن قال ومن يملك الثمن قال أنت تملكه قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك فيقول يا رب فإني قد عفوت عنه فيقول الله تعالي: خذ بيد أخيك وأدخل معه الجنة فإذا عفا الإنسان عن غيره من البشر عفا الله عنه فالجزاء من جنس العمل.