أ.د. أحمد عمر هاشم يري الناس كثيرا من الظواهر السلبية، عقب الثورات والانتخابات، وبين الأفراد والجماعات، وبين القوي المختلفة، والاتجاهات المتعددة، وكثيرا ما تحدث في عواقبها بعض الشروخ بين الفصائل المجتمعية، وتترك رواسب في النفوس، يحتاج المجتمع حيال ذلك إلي الدعوة إلي وحدة الصف، ولم الشمل، وجمع الناس وهذا يحتاج أن يكثف المصلحون والكتاب والدعاة دعوتهم إلي الوفاق بين أبناء الوطن الواحد، وإلي نشر ثقافة التسامح فيما بينهم. أما الدعوة إلي الوفاق الوطني فتقوم بالإصلاح بين الناس والتقريب بين القلوب، قال الله تعالي: »إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون« سورة الحجرات (01) وتأكيدا من الإسلام علي أهمية الوفاق بين الناس وضح الرسول صلي الله عليه وسلم أن اصلاح ذات البين أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلي، قال: اصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة) رواه الترمذي. كما يوضح الرسول صلي الله عليه وسلم ان الذي بينه وبين أخيه شحناء لا يكون من أهل رضوان الله إلا إذا تم الصلح بينهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (تفتح أبواب الجنة، يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتي يصطلحا، انظروا هذين حتي يصطلحا، انظروا هذين حتي يصطلحا) رواه مسلم والترمذي. ومجتمعنا في هذه المرحلة في أمس الحاجة إلي هذا الصلح بين جميع القوي والأطياف حتي تتحقق وحدة صفه ويتم التعاون بين جميع الناس. وقد أمر الله تعالي بإصلاح ذات البين ووضح انه يترتب علي إصلاح ذات البين الفوز بالجنة، وأن الله يصلح بين المؤمنين في الآخرة، لما يترتب علي اصلاح ذات البين من توافق وتراحم، وتواد وتعاطف فينهض المجتمع ويقوم برسالته خير قيام. عن أنس رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلي الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتي بدت ثناياه، فقال عمر: ما أضحكك يارسول الله بأبي أنت وأمي؟ فقال: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة تبارك وتعالي، فقال أحدهما: يارب خذ لي مظلمتي من أخي قال الله تعالي: أعط أخاك مظلمته، قال: يارب لم يبق من حسناتي شيء، قال: رب فليحمل عني من أوزاري، قال: ففاضت عينا رسول الله صلي الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال: »إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس إلي من يتحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله تعالي للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يارب أري مدائن من فضة وقصور من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطي الثمن، قال ياربي ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: ماذا ياربي؟ قال: تعفو عن أخيك، قال: ياربي فإني قد عفوت عنه، قال الله تعالي: »خذ بيد أخيك فأدخله الجنة« ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله تعالي يصلح بين المؤمنين يوم القيامة« رواه أبو يعلي والحاكم. وقال الله تعالي في الحث علي الاصلاح والتسامح: »ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم« سورة فصلت (43، 53). وقال تعالي: »فاصفح الصفح الجميل« الحجر (58). وهكذا نري ان التوجيه الرباني للناس يأخذ بأيديهم إلي اصلاح الحياة واصلاح نفوس الناس، فحينما يدفع الإنسان الاساءة بالحسنة، ويقابل من أساء إليه بالعطف عليه وبالاحسان يحوله من عدو لدود، إلي صديق حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا، ولا يستطيع ذلك إلا من صبر وقاوم نزعات النفس الإنسانية. ومن أجل تنقية البيئة الإسلامية من الرذائل ومن أجل غرس مبادئ الوفاق والتسامح، حذر الإسلام من ظن السوء بالناس ومن التجسس والحسد والقطيعة، وها هي التوجيهات النبوية الحكيمة تأخذ بيد المجتمع إلي الخير، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولاتدابره، وكونوا عباد الله اخوانا كما أمركم الله تعالي، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم علي المسلم حرام، ماله ودمه وعرضه، إن الله لا ينظر إلي صوركم وأجسادكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم، التقوي ها هنا، التقوي ها هنا، التقوي ها هنا، ويشير إلي صدره، ألا لا يبع بعضكم علي بيع بعض، وكونوا عباد الله اخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث« رواه مسلم. إن هذه الرذائل التي حذر منها رسول الله صلي الله عليه وسلم تؤثر في حياة الناس وتجفف عواطف التواصل والمحبة، وحين نستجيب إلي تحذير النبي صلي الله عليه وسلم من تلك الرذائل سوف تصفو النفوس، فإن للظن أكبر الأثر في سلوك صاحبه، كما ان للتجسس والحسد والبغضاء والقطيعة والظلم والاحتقار من أخطر الأسباب الهدامة لبناء الود والاخاء بين الناس. وأكد الرسول صلي الله عليه وسلم علي أهمية التقوي، وجعل الله أكرم الناس أتقاهم وليس أعلاهم نسبا أو جاها. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي: ألا اني جعلت نسبا، وجعلتم نسبا، فجعلت أكرمكم أتقاكم فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان ابن فلان، فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم« رواه البيهقي. وقد وضح القرآن الكريم هذه الحقيقة في قول الله سبحانه: »فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه، فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون« سورة (المؤمنين 101 301). وفي رحاب الإسلام سطعت ثقافة التسامح واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار، قال الله تعالي: »خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين« .