إحساس خانق بالموت يجثم علي المكان و يوشك أن يفرض سطوته علي الفتي الراقد منزويا في احتضار.. تحيطه أسوار الوهن و اليأس بلا قدرة علي الحركة أو الكلام. ترتعد فرائصه خوفا من اقتراب النهاية.. يلوذ بعينيه لعله يجد من يغيثه فلا يجد.. الكل يهرب منه و كأن الاقتراب منه بات هو الموت بعينه داخل غرفة الحجز تبدو المأساة مختلفة.. ليست مشهدا من فيلم سينمائي من أفلام الستينيات ولكنه واقع مرير لرجل جرفه تيار شيطاني لارتكاب جريمة وداهمه مرض أكثر شيطانية في محبسه. لم يكن هناك نوع من تجبر أو قسوة بل تحولت القلوب الغلف الغليظة لمجرمين احترفوا الإثم إلي أفئدة رقيقة تنتحب ألما وتترحم علي فتي صرعه المرض بينهم ونقله الضباط إلي كل المستشفيات الممكنة فلم تقبله واحدة منهم وكأن الجميع اتفق علي أن تكون النهاية له وحيدا شريدا علي البرش. محمد عادل محمد صادق مواطن بسيط بداخله الخير وبداخله الشر مكوناته آدمية وتناقضاته مثل كل البشر تغلبت عليه نفسه بعض الوقت فارتكب من الاثم ما جعله يكون متهما في القضية رقم15905 لسنة2015 جنايات الطالبية واحتجز علي أثر ذلك بديوان قسم شرطة الطالبية. لم ينته الأمر عند حد أداء عقوبة علي جرم ارتكبه ولكنها الأقدار التي كانت عليه أشد قسوة من وحشة الحجز وظلمته فقد نهشته أنياب مرض لا يرحم بدأت إرهاصاته القاتلة بعلامات إعياء شديدة أسقطته أرضا واهنا متهالكا يترنح علي حافة النهاية ما جعل مأمور القسم يستدعي مفتش الصحة للكشف عليه حيث قرر أن الحالة تستوجب النقل إلي المستشفي علي وجه السرعة فتم نقله لمستشفي أم المصريين وأجري له الأطباء عملية تنظيف قرحة فراش وظنوا أن الأمر انتهي عند هذا الحد ولكن بعد خروجه من العمليات تبين معاناته من شلل طرفي ولا يستطيع الحركة أو التحكم في أطرافه السفلية ولا حتي التحكم في عملية الاخراج فتم عرضه علي استشاري مخ وأعصاب وبالكشف عليه قرر أنه يعاني من ورم بالعمود الفقري يضغط علي النخاع الشوكي ويجب إجراء جراحة عاجلة له بمستشفي قصر العيني, وبالفعل تم نقله إلي المستشفي لإجراء العملية وبعدها بخمسة أيام قام الدكتور بعمل أشعة لتتضح الكارثة ويتبين أنه يعاني من مرض ال درن علي العمود الفقري فقام الأطباء بقصر العيني بتحويله إلي مستشفي الصدر لتنتهي رحلة العذاب و الألم عند هذه المحطة حيث قرروا أنه لايوجد علاج بالمستشفي لهذه الحالة وقاموا بتحويله لمستشفي حميات امبابه وهناك قرروا بأن الحالة لا يوجد لها علاج بالمستشفي رغم وجود أماكن متاحة لاستقبال المرضي إلا أنهم لا يستطيعون تحمل مسئولية قبول مريض وموته داخل المستشفي فأعادوه مرة أخري إلي مستشفي أم المصريين وهناك خرج دكتور من المستشفي وقام بالكشف عليه داخل سيارة الشرطه دون أن يسمح له بدخول الاستقبال. علي وجه السرعة أقر الطبيب بسوء الحالة وعدم إمكانية دخولها المستشفي مؤكدا أنها تحتاج لرعاية خاصة لا تتوافر بالمستشفي ولم يجد ضابط القسم المصاحب له بدا من إعادته لديوان قسم شرطة الطالبية. منذ ذلك الوقت ومحمد مسجي علي البرش يأكل المرض جسده النحيل في انتظار الساعة التي تخرج فيها روحه ويستريح من عذابه. في الوقت الذي يرقد فيه محمد يتحشرج الموت في صدره داخل القسم حاولت أسرته مساعدته بشتي الطرق دون جدوي حتي إن شقيقه تقدم بطلب لمرافقته بالحجز والاعتناء به و لكن طلبه قوبل بالرفض. محمد يصرخ من أعماق محبسه ينادي ضمائر الناس التي لفظته وأجمعت علي موته يستصرخ الرحمة في قلوب من يملكون الأمر له أن ينتشلوه من بين براثن الموت. خرجت تأوهاته ملتهبة بنيران الموت الذي يترصده لعلها تصل إلي قلب اللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية ليصدر توجيهاته بسرعة علاج محمد. بالتأكيد هو متهم في قضية ولابد من حبسه ولكن الرحمة فوق القانون ومن حقه علي الانسانية أن يتلقي علاجا شافيا. يناشد محمد أيضا وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين متسائلا في حسرة كيف لكل هذه المستشفيات أن ترفض استقباله ومنهم من أجروا له جراحات غير التي يعاني منها ومنهم من رفض دخوله الاستقبال لاستحالة علاجه. إن موقف مأمور قسم شرطة الطالبية والضباط في تعاملهم مع حالة محمد يشكرون عليه فهم سعوا لعلاجه لم يهملوه ولكنهم توقفوا, اما رفض المستشفيات لحالته المفقود الأمل فيها فهل هذا هو نهاية الأمر بالتأكيد لا ونحن عندما نناشد وزير الداخلية التدخل لاعادة عرض المتهم علي الكشف الطبي مرة أخري إنما نضيء نبراس أمل للمتهم لعله يصل إلي شاطيء الشفاء و لغيره بضرب المثل والقدوة علي فعل الخير.