إحساسي بالدنيا كان تقليديا لم أعرف لها ألما أو معاناة غير أني أحصل علي ما أريده وأستمتع بكل شيء إلا أنني أحمد الله كثيرا أن الشيطان لم يدخل إلي نفسي ويلهو بها فلم أغتر بالدنيا ولم أركن لها. اجتهدت في حياتي وكافحت حتي استطعت بناء مستقبلي ولم يبق غير أن أختار شريكة حياتي. لم أكن وقتها ممن يهيمون في وديان المشاعر والرومانسية ولا أعرف شيئا عن الحب وعذاباته. كانت حياتي عملية جدا ودولاب العمل اليومي يشغل كل اهتماماتي وأمر الزواج ما هو إلا استكمال لشكل الحياة الاجتماعية وبناء أسرة. ولكنها الحياة بمتقلباتها أرادت أن توقع بي في ملهاة درامية مؤلمة دون أي تحسب مني لشيء. انقلبت حياتي رأسا علي عقب.. لم أعد متوازنا في أموري بالجدية التي اعتدتها حتي أمر زواجي تحول مساره إلي شيء آخر لم أتوقعه في نفسي. كانت البداية عندما التقيتها لأول مرة ورغم أن اللقاء كان تقليديا في إطار مناسبة اجتماعية إلا أنها كانت لحظة استثنائية مثيرة في حياتي. انشغلت بها إلي حد الاحتراق بألسنة لهب أحاط بقلبي عشقا لم يكن له أن يدنو مني يوما. أحببتها كما لم يحب أحد من قبل ولن يحب أحد من بعد.. كان اللقاء كافيا لأن أشعر أني أعرفها منذ زمن بعيد وكأنها كانت تسكنني دون أن أدري والآن بدأت أستشعر وجودها وأكتوي برغبات الشوق والحب مراهقا تجاوز العقد الثاني من عمره. لم أترك ارهاصات حبي تضيع مني فهرولت إليها.. طلبتها للزواج.. أسعدتني بموافقتها ولكنها أدهشتني أيضا عندما وجدتها تقول لي تأخرت علي كثيرا. قالت إنها كانت تنتظرني وتعرف أني قادم لا محالة.. كنت أسكنها كما كانت تسكنني.. انعقد رباط مقدس بين قلبينا حتي من قبل أن نلتقي.. جمعنا الحب الذي لم نكن نعتقد فيه من قبل تائهين في مادية الحياة وصراعاتها. وكما توحد قلباينا وحدتنا الحياة في بيت واحد خطونا إليه تشرئب الروح إلي السعادة توقا وأملا. كل خيالاتي عن الحب وما تصورته عن السعادة معها لم يكن شيئا.. استطاعت أن تعزلني عن الدنيا لأعيش قي جنة هي سيدتها وتفاحتها الأخيرة. في كنف عشقها اللا متناهي لم أغفل عن عملي بل وجدتها داعمة لي محفزة للأمل الطامح دائما في تؤدة وصبر لا متناهيين.. تشاركني السهر والجهد يدا بيد وترسم معي رتوش مستقبل نراه سويا واقعا أوشك أن يقترب. وتحقق لنا شيء كثير مما كنا نريد.. نجاحات ثبتت أقدامنا في الدنيا بشيء من المال يكفل لنا الستر من الدنيا وغيلائها.. ولكن ما جعل من حياتنا أكثر سعادة وهناء ما وهبنا الله من رزق في الولد فقد أنجبنا أربعة أبناء كانوا ركائز السعادة في جنتنا الخاصة. كان أولادنا الحلم الذي اكتمل والمستقبل الذي بات واقعا والأمل الذي تحقق ولكني لم أكن أدري أن فصول السعادة والهناء قد انتهت لتبدأ بعدها وعلي غير موعد فصول أخري نتجرع آلامها سنوات طويلة صبرا ومرضا. تغيرت الأحوال بأنياب شرسة لمرض شيطاني اقتحم جسد زوجتي والتهم صحتها وحيويتها ونضارة الأمل في الدنيا بعينيها. استشعرت في البداية آلاما مفاجئة.. أسرعت بها فحوصا وعرضا علي الأطباء وبعد رحلة مكوكية علي المستشفيات ومراكز الفحص استقر اليقين المميت علي أنه لا أمل في شيء غير انتظار الموت بيأس عاجز عن مواجهته. لم يتحمل جسد حبيبتي النحيل سطوة السرطان القاتل فانزوي ضعفا علي ضعف حتي أسقطها طريحة الفراش لا تبرحه. خمسة عشر عاما أضمد جراحها بالحب والرعاية صبرا وأملا ألهث بها خلف سراب العلاج الكيماوي وآلامه وجراحات لا تلتئم وعلاجات لا أثر لها. ضاعت الثروة علي رحلة علاج يائس استمر أكثر من خمسة عشر عاما.. واحترقت أيام السعادة وتلاشت جنتنا أما لظي من لهيب الخوف والترقب لموت يسكن حافة في فراشها يوشك أن يقترب منها بلا تردد غير أنها تواجهه بابتسامة صبر قوية.. صامدة.. صلبة, ونظراتها تمتد نحوي برجاء هو الأخير في الدنيا بالنسبة لها. اقتربت منها.. احتضنتها.. تبلل وجهي بدموعها وهي تخبرني بوصيتها الأخيرة.. قالت إنها تشعر بدنو الأجل واقتراب نهاية لا مفر منها وبحروف متهتمة قالت أخبر أولادي أني سوف أفرح بنجاحهم وليأتوني بأفراحهم ونجاحاتهم وآلامهم أيضا سوف أستمع لهم وأحنو عليهم ولو من داخل قبري.. قل لهم لا ينسوني فأنا لن انساهم. انخرطت بين يديها بكاء فمسحت دموعي بأهداب الأمل في عينيها وبابتسامتها الحانية قالت: ليس هناك وقت للبكاء بقي لي شيء أتمني أن تسعي إليه أريد أن أقابل ربي في الدنيا قبل أن ألقاه في الآخرة أستعطفه لحالي وأسترجي الرحمة والمغفرة أريد أن أطهر نفسي في بيته الحرام وأغتسل بماء زمزم قبل أن أرحل. قالت ليس كثيرا علي أن أحج إلي بيته فهل يجد أملي الأخير في الدنيا طريقه إلي التحقق؟ و كما اعتصرتني ألما امتلأت نفسي بهم لا سبيل إلي الخلاص منه فقد ضاعت كل ثروتي علي رحلة العلاج ولم يتبق معي ما يكفي لتحقيق حلمها الأخير. لست أدري ماذا أفعل؟ هل يمكن لواحد مثلي أن يستجدي المال من أجل ذلك وحتي لو كان فأنا لن أتردد في إسعاد حبيبتي للمرة الأخيرة لكن حتي هذا أصبح سرابا فليس هناك من يساعدني أو يقرضني المال الذي أسرع به إليها تحج به قبل فوات الأوان. لم يتبق لي غير باب المولي عز وجل أطرقه راجيا رحمته وحكمته وأن يتسع صدر معالي السفير السعودي أحمد عبد العزيز قطان ويمنح الأمل لامرأة في نزعها الأخير بتأشيرة حج لعلها تكون ترياقا لها في الدنيا والآخرة. م م القاهرة لقد جبلنا الله في هذه الدنيا علي التعاون ومد يد العون لبعضنا البعض فلا تبتئس يا أخي واحتسب ما أنت فيه لله ففي سورة الزمر الآية53 قال المولي عز وجل{ قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} فالله يريدنا أن نتعايش في الدنيا ونواجه صعابا قد تكون في غالب الأحوال فوق قدرة أي تحمل من شدة قسوتها وعنفوانها لحكمة هو يعلمها. و ما أنت فيه يا أخي محنة عظمية كتب عليك أنت تعيشها أنت وزوجك كما عشتما سعادة غلفت حياتكما من قبل, والصبر علي المحن من شيم المؤمنين الصابرين ومما حكيت أحسب زوجتك من أهل الصبر علي المحن ولعل ابتسامتها التي تواجه بها مرضا شرسا وصعابا وآلاما غير محتملة هي طوق نجاة لها من السقوط في هوة اليأس المميت نفسيا وجسديا والحب العظيم الذي جمعكما جعلكما أكثر صمودا وقوة أمام ألم عظيم وترقب مخيف. أما أمر رغبتها الأخيرة فهو علي الله هين بإذنه جلت قدرته وأحسب إن شاء الله السفير السعودي بسعة صدره سوف يرق لحالها وبقلب رحيم سوف يستجيب لها إن شاء الله تعالي.