الفهم, التدبر, التفكر, العقل, أولو الألباب: ألفاظ تكررت في الخطاب القرآني في آيات كثيرة, في سياق حملته الجادة علي الجمود والتقليد الأعمي, فعاب علي الكفار تقليدهم للباطل وتمسكهم بما ورثوه عن آبائهم, كما يظهر من قوله تعالي: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا, البقرة:170]. كما دعا القرآن الكريم إلي تدبر الآيات وفهم المراد منها فقال تعالي: أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها,محمد:24]. كذلك دعا القرآن الكريم إلي التفكير والتأمل فيما خلق الله وأبدع, قال تعالي: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب, آل عمران/190]. كما دعا القرآن إلي إعمال وسائل الإدراك وإيقاظها في آيات كثيرة, تبدأ بجملة استفهامية, نحو: أولم يروا إلي ما خلق الله من شيء, النحل/48], أفلا ينظرون إلي الأبل كيف خلقت, الغاشية/17], كما ختمت آيات كثيرة بنحو قوله تعالي: أفلا يسمعون, أفلا يبصرون, أفلا يعقلون. ونجد أن العقل هو أساس التكليف في الإسلام, حيث إن التكليف يسقط عمن فقد عقله. ولقد حرم الله في كتابه الكريم كل ما يضر العقل أو يغيبه, فحرم المسكرات كما في قوله تعالي: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه, المائدة/90]. وأشار القرآن الكريم إلي أن تنمية العقل تكون بالعلم, وذلك في قوله تعالي: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون, العنكبوت/43]. فنعمة الفهم تتربي بالعلم. وهكذا يتأكد لنا أن القرآن إيقاظ للعقل من الغفلة والجمود والتقليد والتعصب; وذلك لأن يقظة العقل هي باب التكريم للإنسان وأساس الحضارة والهداية. فهل آن لأزمة العقل المسلم أن تنفرج ليأخذ دوره في الحضارة؟! وهل آن لنا أن نتحول عن أسلوب التلقين في التعليم إلي أسلوب التفكير كي نهئ العقل لدوره في الاختراع والاكتشاف؟! وهل آن لنا أن نضم مع جهود تحفيظ القرآن جهود الفهم والتدبر للآيات, وأن نعلم أبناءنا آفاق التفكير العلمي في القرآن الكريم؟!