المتأمل للمعجزة التي أيد الله بها خاتم المرسلين سيدنا محمد في ضوء معجزات الأنبياء السابقين, يري أن معجزات الأنبياء قبل رسول الله صلي الله عليه وسلمكانت معجزات حسية: كسفينة نوح وعصا موسي وناقة صالح... إلخ. أما معجزة خاتم الأنبياء والمرسلين- عليهم الصلاة والسلام أجمعين- فلم تكن شيئا من جنس هذه الخوارق المادية, فلا هي سفينة نوح ولا عصا موسي ولا ناقة صالح, ولا شيئا من ذلك, إنما كانت قرآنا يوحي من الله. إنها معجزة لا تدرك بالعين والأذن والحواس الظاهرة وإنما تدرك بالعقول, فالقرآن الكريم معجزة عقلية, ومن هنا ندرك الحقائق التالية: إن كانت المعجزات الحسية من الخوارق المادية معجزات باهرة للعقل ومدهشة له, لكنها لا تحتكم إليه, فإن المعجزة العقلية( القرآن الكريم) ترشد العقل وترقي به, وتعظم من دوره فتحتكم إليه وتجعله أساس التكليف. والقرآن معجزة عقلية يقوم إدراكها علي التفكير والتدبر والفهم والعلم ومحاربة التقليد الأعمي أو التسليم لتبعية الهوي. وعشرات الآيات تؤكد هذه الحقيقة, ويكفي تأمل المفردات التالية في آيات القرآن لتكون دليلا قاطعا: أولي الألباب, أفلا تعقلون, يتفكرون, يعقلون, يتدبرون... إلي آخر ألفاظ الإدراك والفهم في آيات القرآن الكريم, كما في الآيات الكريمة: أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا, النساء:82]. إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ,آل عمران:190]. ومن هنا يتأكد لنا أن التعامل مع هذه المعجزة العقلية ينبغي أن يكون في مستوي الرشد والوعي المناسب لها, وألا نتراجع بهذه المعجزة العقلية إلي المعجزات الحسية, وأن نرقي بهذه المعجزة العقلية بعيدا عن الأوهام والخرافات. والقرآن معجزة عقلية لها الخلود; لدوام تأثيرها في العقل علي مر العصور, ولا ترتبط بعصر نزول القرآن, كما هي الحال في المعجزات الحسية, والعقل الإنساني مطالب في كل لحظة وكل زمن بتدبر الخطاب الإلهي, والوعي بأساليب القرآن في صياغة الأمة صياغة حضارية.