فإن قصص الأنبياء خير مؤدب, ومهذب لما فيها من العبر والعظات, قال الله سبحانه وتعالي:( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب), والرسل عليهم السلام هم صفوة البشرية, قال الله عز وجل (( إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض...) من هنا ندرك أن المهمة التي يكلف بها الرسل عليهم السلام مهمة شاقة محفوفة بالمخاطر, لأنها تهدف في المقام الأول إلي تغيير واقع سييء منحرف, وبالاستقراء في أحداث التاريخ نري أن الانحراف عن عقيدة التوحيد يصاحبه انحراف في معظم مجالات الحياة, فتختل القيم وتفسد الأوضاع الاجتماعية وغيرها. وفي سيرة كل رسول أحداث عجيبة حدثت بتدبير الله تعالي فسيدنا ابراهيم عليه السلام يتجه وهو فتي يافع إلي رفض التقليد, ويناقش صفات الآلهة التي اتخذها قومه, ويتوصل بالنتيجة المنطقية إلي الكفر بالآلهة الزائفة. وسيدنا ابراهيم أب لمعظم الأنبياء الذين جاءوا بعده, فهو أب إسماعيل عليه السلام الذي من نسله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وأب إسحاق عليه السلام الذي من نسله يعقوب والأسباط, ويوسف وموسي وهارون وبقية الأنبياء عليهم السلام, قال الله عز وجل (( وهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب...)). أما السور التي ذكر فيها في القرآن فهي البقرة, آل عمران, النساء, التوبة, هود, يوسف, ابراهيم, الحجر, النحل, مريم, الأنبياء, الحج, الشعراء, العنكبوت, الأحزاب, الصافات, ص, الشوري, الزخرف, الذاريات, النجم, الحديد, الممتحنة, الأعلي. نسبة عند أهل الكتاب: ابراهيم بن تارح بن ناحور بن سروج بن رعون بن فالج بن عابر بن شالح بن ارفكشاذ بن سام بن نوح عليه السلام. وعند جمهرة المسلمين: إبراهيم بن تارح, أما ما جاء( وإذ قال ابراهيم لأبيه آزر) فليس هذا علما بل المعني كما قال مجاهد وارتضاه الشيخ عبد الوهاب النجار:أزر اسم صنم موضعه في الآية نصب علي إضمار الفعل والتلاوة فإنه قال: وإذ قال ابراهيم أتتخذ آزر إلها وهو أولي الأقوال بالقبول, عاش ما يقرب من175 سنة, مولده بالعراق ووفاته بفلسطين, ترتبط قصته بقصص أخري كقصة لوط عليه السلام. قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام في القرآن الكريم أنه: كان حليما رقيق القلب عطوفا ورؤوفا بارا بوالده مع قسوته عليه, وأنه كلما باعد والده بينه وبين تلطف هو في المقاربة وترفق في دعوته وهدايته وتحذيره. وتدل قصته عليه السلام علي حبه للاستطلاع واستعماله وسائل الإقناع, والصبر والجلد علي إبلاغ الدعوة, وعلي الوثوق بالله تعالي والتفويض إليه, وأم إسماعيل عليه السلام ورث عنه الحلم( فبشرناه بغلام حليم) وورثت الأمة العربية عنه هذا, بينما ورث إسحاق عليه السلام عنه العلم( فبشرناه بغلام عليم) وورثت عنه أمة غير العرب هذا. وتدل القصة علي أن منهج إخلاص التوحيد لله عز وجل منهج تربوي عملي يجب الاقتداء والتأسس به من سيدنا إبراهيم عليه السلام. وتدل قصته علي أنه كان من طلائع المهاجرين إلي الله سبحانه وتعالي وعلي دفاعه عن الحق, عن العقيدة, عن المبادئ العليا. وتدل قصته علي وفور الشفقة فقد دعا لأبيه ولقومه ولقوم لوط عليه السلام. من الخصائص والسمات: ذكر في القرآن الكريم ما يقرب في تسعة وستين موضعا منها سورة باسمه. أول من سمي الدين باسم الإسلام( ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين) مواقف ودلالات: حياة إبراهيم عليه السلام نموذج للداعية الذي لا يقبل المساومة ولا أنصاف الحلول. يهاجم الكفر ولا يبالي بطغيانه وجبروته. يتحمل أقسي النتائج التي تترتب علي تدحيه. جابه قوة الكفر بعناد وإصرار وهدد بتدمير الأصنام.( وتالله لأكيدن أصنامكم) أول المهاجرين إلي الله عز وجل فرارا بدينه:( وقال إني مهاجر إلي ربي إنه هو العزيز الحكيم). ضرب المثل في حسن التوكل علي الله تعالي( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم..). البراءة من الكفر وأهله مهما كانت الروابط:( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من الله). عوضه الله تعالي عند مفارقته لأهله وقومه ووطنه بجعله خليلا له( واتخذ الله ابراهيم خليلا). ومن المواقف والدلالات أيضا عدم التردد, اعتماده في محاجة قومه علي المنطق للإقناع دون اللجوء إلي الإقناع بالمعجزة, وميله للبراهين الحسية في الدعوة إلي الله ضرب المثل في البر بالوالد وإن كان كافرا. من هذا كله ندرك سر الحض علي الاقتداء به( اتبع ملة ابراهيم حنيفا),( قد كانت أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه). وسر الصلاة والسلام عليه في التشهد في الصلاة( اللهم صل علي محمد وآل محمد كما صليت علي ابراهيم وآل ابراهيم..)